يتهافت الشباب عندنا على الوظائف الحكومية، وتخرج المدارس كل عام أفواجاً جديدة يذهب فريق منها - وهم القليل- إلي الخارج لاستكمال تعليمه ثم يتجه الباقون طارقين أبواب الوزارات والمصالح الحكومية بغية الحصول على وظيفة ونحن قادمون - بلا شك - على اكتفاء في الوظائف الحكومية سيظل بعده المتخرجون من المدارس عاطلون.
وإذا كانت فكرة إنشاء معاهد للصناعات الخفيفة يصرف إليها فريق من طلاب المدارس فكرة وجيهة وجديرة بالدرس والتنفيذ فإن نتائجها تحتاج إلي سنوات سنكون في خلالها أمام مشكلة اجتماعية يجب أن نعد لها العدة من الآن.
وخير ما نستطيع أن نستقبل به هذه الأفواج من الشباب طلاب الوظائف وفي نفس الوقت نتيح فرصة لأصحاب رؤوس الأموال الصغيرة ومتوسطي الدخل استثمار هذه الأموال ونقدم للوطن والمواطنين مشاريع نافعة متعاونين هو الاتجاه إلي تأسيس شركات مساهمة على غرار الشركات الموجودة في البلدان العربية الأخرى كشركات بنك مصر المعروفة التي تناولت أكثر حاجات الشعب من غزل ونسيج إلي أدوية ومستحضرات إلي فنادق ومطابع وكثير من شئون الحياة المصرية.
وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة وفي مقدمتهم البنك الأهلي السعودي مسئولون - في نظري - عن تأسيس مثل هذه الشركات وطرحها للجمهور للاكتتاب بأسهم مبسطة ليستطيع كل فرد مهما كان دخله بسيطاً أن يساهم فيها ويفكر في الادخار.
وفي اعتقادي أن بلادنا في حاجة إلي الكثير من المشروعات التي تعود على المجتمع بالنفع سواء المساهم فيها والمستهلك لها وليس صحيحا أن يظل العبء جميعه على الحكومة وحدها فنظل ننتظر منها أن تنشئ لنا المدارس والمستشفيات والمواصلات والصيدليات.
صحيح أن على الحكومة أن تشجع وتساند وتقدم كل عون ممكن واعتقد أنها لا تدخر وسعاً في هذا السبيل إذا وجدت من المواطنين من يفكر في أداء هذا الواجب الذي لم يكن واجباً عليها وحدها فإن على كل مواطن أن يقدم لهذا الوطن شيئاً من ثمرة جهوده.
وفي رأيي أن الأمانة التي في عنق كل الوجهاء الشربتلي والصبان والكعكي والجفالي وزاهد وزينل وغيرهم من أثرياء البلاد لهذا الوطن لا تقل عن الأمانة التي في عنق الحكومة وقد أدت الحكومة كثيراً مما يجب، وبقي أن يؤدوا هؤلاء بعضاً مما يجب عليهم!
إن البلاد في حاجة إلي شركة مواصلات منظمة على طراز حديث تربط أجزاء كل بلدة يبعضها ثم جميع أطراف المملكة بعضها ببعض على الصورة المعروفة في البلاد العربية الاخري كمصر وسوريا ولبنان مثلاً...
والبلاد في حاجة ثانياً إلي مستشفيات شعبية، مستشفيات يرتادها الأغنياء ومستوصفات يراجعها متوسطو الحال فيخففوا الضغط عن مستشفيات الحكومة ومستوصفاتها ليجد فيها الفقير العناية والعلاج لا كما هو الحال الآن.
فقد شاهدت في مصر مستوصفات شعبية يديرها أطباء أو أفراد عاديون متفقون فيها مع عدد من المتخصصين في أنواع الطب فواحد للجراحة وآخر للباطن وثالث للأسنان ورابع للنساء يحضرون إلي هذه المستوصفات ساعة من نهار أو ليل معروفة لدي سكان الحي الذي يقام فيه هذا المستوصف فيتوافدون إليه في صفوف منظمة يدفع الواحد منهم خمسة أو عشرة قروش ثمن تذكرة منمرة تتيح له الدخول للكشف ووصف العلاج وفي نفس صيدلية المستوصف يجدون الدواء بنفس الثمن المحدد في الصيدليات أو بزيادة بسيطة لا يحسون بها.
وقد أكد لي صديق من الأطباء أنها عملية مريحة للمريض والطبيب في وقت واحد.
والبلاد ثالثاً في حاجة إلي مدارس خاصة نموذجية ورياض أطفال والحكومة لم تدخر وسعاً في إنشاء المدارس الجديدة سنوياً ولكن القادرين على تعليم أولادهم ما زالوا يزاحمون غيرهم على هذه المدارس رغم أنوفهم لعدم وجود غيرها، ورياض الأطفال ما تزال معدومة عندنا ولئن كانت وزارة المعارف تنوي إنشاء عدد منها فإنها لن تسد الحاجة مع الإقبال الشديد على التعليم والمدارس الخاصة موجودة في كل بلد من البلدان الأخرى وهي عملية تجارية مربحة مادياً وأدبياً ومن أسس مدرسة أغلق سجناً كما يقولون.
والبلاد رابعاً في حاجة إلي شركة تموينية كبرى تحمي فقراء الشعب من جشع المحتكرين والمستغلين على غرار شركة التعاون المنزلي المعروفة في مصر والتي لها فروع في جميع أنحاء القطر المصري بل وفي كل حي من أحياء القاهرة يجد فيها الإنسان حاجته من مأكل ومشرب وملبس وغيره.
والبلاد خامساً في حاجة إلي شركة للأدوية تستورد جميع حاجات البلاد من الأدوية وتفتح عدداً من الصيدليات في كل بلد من بلدان المملكة وتؤدي خدمات ليلية فتقضي على هذا التناقض في أسعار الأدوية وهذا الاستغلال الفاضح الذي يشكو منه المرضي.
وليس من شك أن هناك مشروعات وأعمال تغيب عن ذهني الآن ولكنها لا تغرب عن ذهن كثير من المواطنين...
لقد ظل اسم طلعت حرب خالداً على مر السنين في مصر وما تزال شركاته وفي مقدمتها بنك مصر تشهد لهذا الرجل بإخلاصه لوطنه وتستمطر الرحمات والدعوات على جدثه كلما جرى ذكر المؤسس على لسان، وأعتقد أن هذه المملكة لم تعقم عن إيجاد طلعت حرب ثاني وثالث ورابع وخامس يحققون لها من المشروعات والأعمال ما يخلد ذكرهم على مر السنين وكر الدهور...
إن تحقيق مشروع واحد من هذه المشروعات أجدى عند الله وأنفع للوطن والمواطنين من توزيع الصدقات والهبات التي تخلق كثيراً من التنابلة والمتواكلين ...
إنني أدعو كل واحد من أثريائنا الكبار أن يحتضن مشروع شركة من هذه الشركات ويعلن استعداده للمساهمة بنصف رأس مال الشركة ويطرح النصف الثاني للشعب بشرط أن تحدد أصواته في الجمعية العمومية للشركة بالربع فقط لئلا يخشي المساهمون من طغيان المؤسس فيصبح جميع المساهمين صفراً على الشمال ما دام مجموع أصواتهم لن يبلغ مجموع أصوات المؤسسين كما هو حاصل في بعض الشركات القائمة الآن.
فهل يستجيبون؟! أرجو.. أرجو.. والله الموفق.