لا يستطيع الإنسان أن ينكر أثر القدوة في التربية، أية تربية دينية أو خلقية أو اجتماعية أو دراسية أو منزلية، فالأب الذي يريد تربية أولاده تربية صحيحة، والمدرس الذي يحب أن يربى طلابه على السلوك الطيب، والداعية إلى الله الذي يرغب أن تصل دعوته إلى قلوب المدعوين.. كل هؤلاء يجب عليهم أن يكونوا قدوة حسنة وإلا كان جهدهم (نفخ رماد وصيحات في واد).
فلو كان الأب منحرف السلوك فإنه يستحيل عليه تربية أولاده على استقامة السلوك.
والمدرس الذي يسلك سلوك الخنافس، يمضغ اللبان ويرسل شعره ويتمايع في الكلام لن يستطيع دعوة طلابه إلى الرجولة وحسن الخلق..
والداعية إلى الله لا يمكنه أن يصعد إلى منبر الدعوة حاسر الرأس مدهون الشعر حليق اللحية والشارب وكأنه ذاهب إلى سهرة..
إذن فلكل مقام مقال، ولكل حالة لبوسها ومن خالف كان قدوة سيئة وفشل في مهمته.
فإذا جاءت مذيعة التلفزيون السعودية في التلفزيون السعودي لتقدم برنامج أطفال – بنين وبنات طبعاً – وهي سافرة سفوراً غير شرعي حاسرة الرأس (مكوفرة) السعر ماذا سيكون تأثير ذلك في نفوس الصغيرات وهذه ماما أمامهم تخالف الشرع والعرف؟! ألا تكون تلك فتوى صارخة عن حل الظهور بهذا المظهر أمام الرجال وهو أمر حرام بالإجماع.
إن نظرة أطفالنا وبناتنا في البيوت إلى المرأة السعودية غير نظرتهن إلى المرأة الأخرى.. إن السعودية هي القدوة التي يحاولن تقليدها فكيف إذا كانت في موضع التوجيه كمقدمة برنامج المرأة أو الأطفال مثلاً.
إن موجة العودة إلى السفور الشرعي بدأت تكتسح البلدان المجاورة التي كانت تمارس السفور الحرام فهل نبدأ نحن فيما تركوه بعد أن اكتشفوا فساده ورجعوا إلى ما نحن فيه؟
أموالنا في الخارج
عندما تتحدث الصحف الغربية عن استثمار المال العربي في الخارج أحياناً وعن بعثرته أحياناً أخرى يأتي بالعجب العجاب فمن الشق الأول – وهو الاستثمار – تتحدث عن شراء رجال عرب لفنادق وبنوك ومزارع وعقارات في أوروبا وأمريكا.. وعن الشق الثاني تتحدث عن البذخ في شراء أشياء عادية من ملابس وقضاء سهرات و.. و.. الخ.. من ضمن أسماء الشق الأول أسماء معروفة ويعرفها الكثيرون ممن قرأوا الصحف الغربية وبعض الصحف العربية التي ترجمت هذه الأخبار.
وعائد الاستثمار في بلادنا بفضل الاستقرار ونظام الحكم الرشيد لا يقل عن عائده في تلك البلاد فالبنوك والفنادق والعقارات تحقق أرباحاً جيدة بصرف النظر عن حقوق هذا الوطن في أعناق أولئك الرجال وبصرف النظر عن الأمان والضمان الموجودين في بلادنا لكل مستثمر.
فلماذا يلجأ هؤلاء السعوديون إلى استثمار أموالهم من الخارج وبلادهم في أمس الحاجة إليها؟! إن واحد منهم يستطيع أن ينشئ في كل مدينة مدينة سكنية أخرى تقضى على أزمة السكن التي يعانى منها المواطنون ما يثقل كواهلهم. إن كلا منهم يستطيع أن ينشئ فنادق في كل مدينة من مدن المملكة التي ضاقت فنادقها الموجودة بتنقلات المواطنين وشلت حركتهم.. إن كل واحد منهم يستطيع أن يقيم لمفرده مؤسسة تموينية أهلية تحقق الرخاء للمواطنين وتفرض نفسها وأسعارها على الأسواق وتمنع الجشع والاستغلال.
إن الربح مضمون وربما قد يقل عن ربح الخارج ولكن أين الوفاء؟! أين نوازع الخير؟! أين نبضات حب الوطن؟!
إنها مجرد ذكرى.. والذكرى تنفع المؤمن.