ليس من شك أن إصدار نظام مكافحة الرشوة جاء في الوقت المناسب كما يعتبر خطوة جريئة تستحق عليها الحكومة كل تقدير وإكبار.
غير أن النصوص التي استعملت في هذا النظام هي عبارة "طلب لنفسه أو غيره". وفي الغالب لن ينطبق هذا النص على كثير من أحوال الرشوة فالموظف الذي يتقاضي الرشوة عندنا لا يطلبها بنفسه إلا نادراً والوسيلة الشائعة هي المماطلة والتسويف وتأخير العمل المطلوب حتى يضج صاحب العمل صاحب العمل بالشكوى فيجد من أهل "الخير" من ينبه إلي المثل القائل "أدهن السير يسير" ويشاور المسكين نفسه ثم يدس يده في جيب الموظف بما تيسر وما يلائم الموضوع.
هذه صورة من صور الدفع إلي الرشوة لم أجد لها نصاً في النظام.
أمام الصورة الثانية فهي صورة السماسرة الذين يتخذهم بعض الموظفين ليتكلموا بلسانهم ويتفقوا ويقبضوا والمرتشي الأصيل بعيد عن الجو، فهل نمسك بتلابيب السمسار وقد يكون موظفاً بسيطاً لم ينله من العملية إلا الفتات. وتكون اللقمة الكبرى في جوف الموظف الكبير الذي لن تصل إليه أيدينا إن تأخير القضايا والمعاملات في بعض الدوائر من وسائل دفع الجمهور إلي استعمال الرشوة لقضاء أعمالهم وأول ما يجب اتخاذه لصد الناس عن استعمال الرشوة هو إلزام الموظفين بإنهاء المعاملات في أمد محدد يعاقب على تجاوزه الموظف ليعرف كل صاحب معاملة منى تخرج معاملته فلا يراجع إلا في الوقت المحدد.
والصورة الثالثة التي لم أرها في النظام هي صورة الموظف الذي يشتري بحكم الوظيفة أو يستأجر شيئاً للدولة أو يقاول عليه بمبلغ محدد يشترط لنفسه على البائع أو المستأجر أو المقاول جزءاً كبيراً أو صغيراً منه هل يعتبر هذا رشوة؟ أم خيانة؟ أم ماذا؟
إن أكثر الفساد الذي نعانيه يأتي على هذه الصورة، ويكون أبطاله من الكبار وحصيلته كبيرة جداً تغري الناسك وتفسد الضمائر والذمم، وتشجع على المغامرة.
وبعد فإن النظام وحده لا يكفي لأنه عبارة عن موارد من السهل الانفلات من تطبيقها إذا لم يتول التحقيق والتطبيق رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، رجال آمنوا بدينهم ووطنهم وقومهم ورسالتهم..
وإذا لم يتعاون الشعب أيضاً مع حكومته للقضاء على الفساد والرشوة فرفض الاشتراك في هذه الجرائم وساعد الدولة على إلقاء القبض على المجرم متلبساً بجريمته، إن على كل فرد من أفراد الشعب أن يهيئ الأسباب للإمساك بكل مجرم يحاول إفساد حياتنا ومجتمعنا ومستقبل بلادنا ليلقي جزاءه موفوراً.
أما الحكومة فإني أعتقد أنها تعرف مواطن الشبهات وما عليها إلا أن تدس فيها نفراً من ذوي الأمانة ليضعوا يدها على الأعضاء الفاسدة فيبتروها في الحال.
كيف نحمي زراعتنا؟
كل الأحاديث التي تدور حول الزراعة وبيع المنتوجات الزراعية تؤكد أن المزارع يبيع منتوجاته في الحلقات- أي أسواق الجملة- بثمن بخس وخاصة عندما يكون وارد أحد الأيام يزيد عن حاجة الاستهلاك من نوع خاص من الخضروات وأن السعر الذي تباع به هذه المنتجات بالقطاعي يصل إلي أضعاف ما تشتري به
وهكذا نجد المزارع يشكو من سوء المواصلات وبخس الثمن والبائع يشكو من عجزه في أكثر الأحيان عن تصريف ما اشتراه في نفس اليوم وتعرضه للتلف.
والمستهلك يشكو الغلاء. والنتيجة الحتمية أن ينصرف المزارع إلي أي عمل آخر غير الزراعة بعد أن يضيق ذرعاً بهذه النتائج.
والفكرة التي أري أن تتبناها أمانة العاصمة أو شركة مساهمة هي قيام مؤسسة تستقبل جميع المنتجات الزراعية يومياً بسعر محدد للأقة أو الكيلو من المزارع ثم تقوم بتوزيعها على الباعة بسعر محدد أيضاً حسب رغبة السوق مع الاحتفاظ بالزائد عن الحاجة في ثلاجة كبيرة تقام لهذا الغرض على أن يجري بيعها للمستهلك بسعر محدد أيضاً.
ولهذا المشروع مزايا عدة منها:
1) تشجيع المزارع في زيادة إنتاجه وتسويقه بعد أن يتأكد من الثمن الذي سيتحصل عليه فأكثر الزارعين الآن عندما يكون لديهم إنتاج بسيط لا يستطيع أحدهم معرفة حصيلته منه وربما زاحمه في السوق مزارعون آخرون بإنتاج أكثر أو أجود فلا يحصل على تكاليف رحلته.
2) تنظيم توزيع هذه المنتجات على الأسواق المحلية على أساس من العرض والطلب بدلاً من أن يزدحم السوق يوماً مثلاً بالبامية أو الملوخية وتزيد عن حاجة المستهلكين ويدركها العطب ويضطر البائع أن يحسب حساب هذه الكمية فيحاول أن يحصل على الثمن الذي دفعه ببيع جزء بسيط مما اشتراه فيرتفع السعر.
3) حماية المستهلكين من جشع بعض البائعين الذين لم ولن يطرح الله لهم بركة فيما يربحون لأن المغالاة في قوت الفقراء لا تعود على صاحبها بالخير.
أنني أضع هذه الفكرة تحت نظر أمانة العاصمة وأقترح أن تكلف خبراءها والمختصين عندها بوضع مواصفات المشروع وتكاليفه وطريقة تنفيذه ثم المساهمة بنصف رأس المال وطرح النصف الناس للجمهور للاكتتاب فيه حتى إذا استقام المشروع وأنتج طرحت الأمانة أسهمها للبيع واستعادت رأس مالها لتتبني مشروعاً شعبياً آخر
المواصلات الداخلية
ذكرتني كلمة الأستاذ الساسي عن شكوى الجمهور من تكاليف إيصال الماء وأجرة العداد التي والتأمين الباهظ الذي تطلبه تتقاضاها إدارة عين زبيدة ذكرتني بمشروع مماثل هو شكوى الجمهور أيضاً- ليل نهار- من خطوط البلدة وأفاعيلها.
فالمشروع الأول سبق أن درس من مجلس الشورى واتخذ فيه قرار منذ سنوات ولكنه عندما وصل إلي الأمانة العامة لمجلس الوزراء أتخذ مكانة الأمين في أحد الأدراج أو الأرفف وظل حتى الآن لا يعرف مصيره إلا الله أما المشروع الثاني وهو مشروع خطوط البلدة فقد دار دورات متعددة وقتل درساً وبحثاً حتى أستكمل وسار في نفس الطريق ولقي نفس المصير.
فهل لنا أن نرجو الأمانة العامة لمجلس الوزراء أن تبعث هذين المشروعين من مرقدهما ولو لاستئناف الدوران بين الجهات المختصة - إن لم يكونا قد استوفيا دورانهما- فذلك خير من هذا الركود في مكان واحد إننا لا نتهم أحداً بالتقصير ولكننا نرجو مجرد رجاء.