الطريقة المتبعة في التحقيق في حوادث السيارات أياً كان نوع هذه الحادثة أو بساطتها تجري على طريقة واحدة لا فرق فيها بين الحادث الكبير أو الحادث الصغير..وبين السائق المذنب والسائق غير المذنب، والسائق المحترف والسائق الهاوي.والقول بأن هذا هو العدل كلام فيه انحراف كثير عن العدل والتفريق هنا واجب لضبط ميزان العدالة.
قد يكون هذا الكلام غير واضح ولكني أوضحه بضرب الأمثال:
يكون "زيد" من الناس واقفاً أو سائراً بسيارته ثم يأتي عمرو بسيارته ليصدمه من الخلف أو من الجنب فيلقي القبض على الصادم والمصدوم ويساقان إلي قسم البوليس ويحالان للمستشفي للتأكد من كونهما بكامل قواهما العقلية وقد يصر الجندي المرافق لهما على وجوب المشي على الأقدام لأن ركوب السيارة لا يليق بمجرم وعلى الرغم من وضوح الخطأ والصواب فإنه لا بد من بقائهما معا ًموثوقين المذنب بجانب البرئ، والمسئولية بعد ذلك على الإجراءات المتبعة.
وقد يعفو المصدوم ويتسامح الخصمان ويطلبان الفرار بجلدهما والمضي إلي مصالحهما. ولكن أني لهما ذلك إلا بعد استكمال جميع الإجراءات كما لو لم يكن في الأمر تسامح ولا تنازل ولا بد من إضاعة ذلك اليوم كاملا ً!
والمصيبة الكبرى في هذه الصورة من صور الحوادث فرض الكشف على سلامة عقل المصدوم كان ظاهر السلامة..يتكلم كما يتكلم العقلاء، بل سادة العقلاء وربما كان أبعد الناس عن الظن في عقله أو دينه مع أن المفروض عقلاً ألا يجري الكشف العقلي إلا إذا بدأ من الصادم ما يريب في كلامه أو تصرفاته أو منظره!!
تلك صورة يتساوي فيها المذنب وغير المذنب وذلك من غير شك ليس عدلا ًولا قريباً من العدل..
أما الصورة الثانية فهي صورة المتهم في حادث سيارة صادما ًأو مصدوما ً، يمضي عليه في السجن شهر أو أكثر، ثم تظهر براءته بعد أن ينزل به وبأسرته من البلاء ما لا يعلم نتائجه إلا الله.
هاتان الصورتان من صور حوادث السيارات تتكرران دائما ًوأعتقد أن رجال الشرطة ودوائر القضاء يعرفون أمثله كثيرة..ولا ذنب لهم فيها إذ أنها إجراءات متبعة من القديم لم تتطور بتطور الزمن وتغير الأحوال وقد آن الأوان الآن لأن يعاد فيها النظر بالنسبة للتطور الشامل الذي أدرك كل مرفق من مرافق حياتنا.
لذلك فإني أضع هاتين الصورتين تحت نظر سمو وزير الداخلية وأرجو من سموه أن يوليها جزءاً من عنايته كشأنه مع كل ما يقع تحت نظر سموه من مشاكل الجمهور وقضاياه العامة.
أما إذا تفضل سموه فسمح لي أن أدلي برأيي في هذا الموضوع بحكم سبق عملي في دوائر القضاء والشرطة فإنني اقترح أن يكون الإجراء في هذه الحوادث كالآتي:
1) المتصادمان المتسامحان يكتفي باتخاذ محضر بالتنازل عن كل ما يترتب على الحادثة ويخلي سبيلهما في الحال دون إثبات إدانة أحدهما.
2) الكشف العقلي لا يلجأ إليه إلا في حالة الارتياب أن الحادث وقع نتيجة له وبعد اتخاذ محضر في مركز الشرطة يؤيد الاشتباه فيلجأ إلي الكشف للتأكد.
3) في الحوادث التي لا يتم فيها التسامح أو التنازل يجري التحقيق الابتدائي وبمجرد الانتهاء منه يوقف الثابت إدانته ثبوتا ًقطعيا ًويطلق البرئ أو من تتجه نحوه الشبهة بالكفالة الحضورية في الحال ثم تأخذ المعاملة دورها وتستكمل إجراءاتها حتى يقول القضاء فيها كلمته العادلة ويؤخذ المذنب بذنبه أو تبرأ ساحة المتهم. ويراعي كون الكفيل مليئا ًمقتدرا على تحمل كل مسئولية تترتب على مكفولة.
إننا بهذا الإجراء سنكسب:
أ ) تحقيق العدالة ورفع الظلم عن كثير من المظاليم..فمبدأ العدالة العام "المتهم برئ حتى تثبت إدانته".
ب) نتخلص من عدد كثير من المعاملات التي تدور في حلقة مفرغة ويشتغل بها عدد كبير من الموظفين لأن روح التسامح والنصائح متوفرة عندنا - والحمد لله - وستنتهي أكثر القضايا صلحاً وتنازلا ًإذا وجد المتخاصمون من المحقق تعاونا ًورغبة في إنهاء الموضوع.
ج) الرفق بأصحاب المصالح وحفظ الكرامات فليس كل صادم أو داهس مجرماً يستحق التعزير أو النيل من كرامته فأكثر حوادث الصدم والدهس وخاصة داخل البلدة تقع رغم أنف الصادم أو الداهس وقلما يقع منها شيء نتيجة لتهور أو سرعة أو مخالفة.
هذا ما وددت أن أضعه تحت أنظار سموه راجياً أن يوفقه الله لإصلاح هذا الوضع فيكون قدوة حسنة يقتدي بها في سائر أنحاء المملكة.