لا أدري بأي عقل يفكر إخواننا القائمون على المشروعات الحكومية التي تنفق عليها ملايين الريالات سنوياً ثم إما أن تذهب هباء بعد أن يثبت خطأ الفكرة، وإما أن نكون كمن يقول عنه المثل الشعبي "ما عنده عشا يتعشى، يجيب الفول ويتدشى".
لقد تعجلنا وأقمنا عشرة مشارب في المسجد الحرام كلفتنا سبعين ألف ريال، وفي أقل من لمح البصر هدمناها وكأن المسألة لم تكلفنا قرشا..
ثم أقمنا خندقاً كفرع لبئر زمزم وصرفنا فيه ما صرفنا وبعد قليل ثبت عدم صلاحه فوضعنا عليه غطاء من الخشب وما زال الوطء عليه يزعج المصلين حتى اليوم وليس هناك من يسأل فيم عملناه؟ ولم هجرناه؟!
وفي مني أقمنا حاجزاً تتردد إشاعة الآن عن الاعتزام بهدمه لعدم جدواه ولتضييقه للشارع واتخذ الباعة لجانبيه معرضاً لسلعهم.
وفي منى الآن نقيم على الجمرات مظلات لتقي الحجاج حرارة الشمس وقد ظل الحجاج منذ ألف وثلاثمائة ونصف من السنوات يرمون الحجار في دقائق معدودة ويمضون في حمل سبيلهم دون حاجة إلي مظلات..
ومن يدري فقد يتخذ بعض الحجاج من هذه المظلات سكناً ومأوي يأوون إليه بعفشهم ورفشهم يتفيأون ظلالها ويحولون بين رماة الجمار والرمي ثم نضطر لهدمها مرة أخرى "وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا" ولا صرفنا آلاف الريالات.
والآن أيضاً تفكر أمانة العاصمة ووزارة الأوقاف في أنشاء مغاسل وحمامات شعبية!
ولمن؟!
إنها حتماً ستكون للأجانب المتسولين الذين قدموا للجمع والتوفير وصر القرش على القرش واتخاذ الشوارع والمساجد مساكن لهم.
كأنه لا يكفي ما يجمعه بعض هؤلاء من موارد عملهم وتجويع بطونهم وقذارة مناظرهم ليوفروا كل قرش يحملوه إلي بلادهم.. كأن هذا كله لا يكفي فنعمل على زيادة وفرهم فنعد لهم الحمامات والمغاسل، نغسل لهم أجسامهم وملابسهم مجاناً فلا نكلفهم اتخاذ مأوي لهم يغتسلون فيه ويغسلون ملابسهم به فإن هذه المغاسل والحمامات الشعبية- كما تسميها الأمانة- ستحقق لهؤلاء الأجانب نوعاً جديداً من الرفاهية بضاعف من وفرهم.
وأين يقام هذا المغسل والحمام؟!
في وسط البلدة وفي أحسن بقعة بل أهم ميدان ينبغي أن يستغل لما هو أهم من مغسل وحمام..
أنه سيقام في ميدان باب أجياد أمام أمانه العاصمة؟!
وبعد فإني أعيد السؤال على القائمين على مشروعاتنا؟!
هل انتهينا من الأهم وانتقلنا إلي المهم؟!
أيهما أولي بالتقديم سفلته شوارع مكة وإصلاحها وإكمال إضاءتها وتوسعه بعض المناطق الضيقة بها وتعمير خرائب الأوقاف وفرش المساجد وإضاءتها بالكهرباء..
أم إنشاء مغاسل وحمامات؟!
إنني أعيذ المسئولين عن المشروعات عندنا من السير وراء كل مقترح والتأثر بكل رأي فج فالاقتراح لا يكلف مقترحة شيئا ولكنه يكلف الوطن كثيراً أو كثيراً جداً ما لم تجر دراسته من كافة النواحي.
وبعد فإنها كلمة مخلصة في سبيل الله والوطن: اتقوا الله في المشروعات.. اتقوه واستعدوا لحسابه ولا تتعجلوا فيما يحتاج إلي روية وتفكير ودراسة فتنشئوه اليوم لتهدوه غداً.
ولكن عجلوا بالمشروعات الواضحة كسفلته الشوارع وإنشاء الميادين وإنارة الشوارع والحواري وإصلاح المسالك وتوسعة المضائق.
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي ألا بالله.