تحدثت في يوميات سابقة عن مشكلة المرور كمشكلة أولى من مشاكل الحج وأرجو أن يكون المسئولون عن الحج قد أخذوا يدرسون ما اقترحته فهو في اعتقادي جدير بالدرس - على الأقل - بل التنفيذ.
واليوم، أريد أن أتحدث عن مشكلة فقراء الحجاج ومتسوليهم. فالحج من غير شك فريضة على كل مسلم ومسلمة ونحن لا نعني بما سنبحثه من شئون هذه المشكلة صد الناس عن سبيل الله فذلك ليس من خليقتنا بل نحن نقولها ولا فخر.
من الدعاة إلى الله الزادين عن تعاليم ديننا الحريصين أشد الحرص على سمعة هذا الدين.
أجل إن الحج فريضة ولكن. ولكن بعد توفر شروط أهمها الاستطاعة، «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا»، وقد أجمع أئمة الفقه الإسلامي أن في مقدمة الاستطاعة الزاد والراحلة.
والشريعة السمحاء عندما اشترطت هذا الشرط نظرت بظهر الغيب إلى ما سيتعرض له المسلم المتدين من اندفاع وعنت أن جعلت الحج فريضة عليه دون اشتراط القدرة.
إن روح الإسلام من فجاء هي الفدائية وهكذا استطاع المسلمون في صدر الإسلام أن يغزوا العالم ولم تقف دونهم حدود ولا سدود.
ومن ثم روعي في فرض الحج أن يكون المسلم قادراً عليه ولولا ذلك لدفعت الفدائية الإسلامية كل مسلم أن يؤدي هذه الفريضة ولو كان دونها الموت الزؤام.
وتلك سجية من سجايا الإسلام التي جعلته دين يسر «ما جعل عليكم في الدين من حرج».
فالمسلم الذي يخرج إلى الحج رغم بعد الديار وهو خال الوفاض بادي الانفاض ويعلل نفسه بأنه خروج في سبيل الله معتمدا في زاده وراحلته على ما يجود به المحسنون محملا نفسه ذل السؤال ومشقة الحياة ومتاعب العيش. هذا المسلم في نظرنا مخالف لتعاليم الإسلام لا يستحق التساهل والتسامح معه بل يستحق الردع والزجر ليتعلم الحرص على تنفيذ تعاليم الإسلام بدقة وهي كفيلة من غير شك لإسعاده.
إن الإسلام دين العزة والكرامة والقوة والنظافة والعمل فأين هذه الصفات في المسلم الذي يخرج من دياره بلا زاد ولا راحلة فيقطع الطريق أو بعضعه مشيا على الأقدام يتكفف الناس أعطوه أو منعوه؟!
إن أكثر مشاكل الحج تقع نتيجة لهذه الكثرة الكاثرة من الحجاج وأكثرهم غثاء كغثاء السيل.
فنقص المياه, وزحمة الشوارع، وارتباك المرور، وامتلاء المستشفيات، كل هذه المشاكل التي تعاني منها الحكومة ما تعاني ولا يسلم الشعب من آثارها بل يتأذى بها الحجاج أنفسهم، نتيجة حتمية لهذه السيول المتدفقة من كل صوب لا تهتم بمأكل ولا مشرب ولا نظافة ولا عناية صحية، لا يجدون ما ينفقون فيسكنون الشوارع ويسدون الطرقات وينامون في المسجد ويأكلون ما لا يسمن ولا يغني من جوع.
لقد كان الناس يخرجون من موسم الحج وقد امتلأت جيوبهم ذهبا ويظلون فى ارتقاب الموسم القابل في لهفة وشغف كأي بلد سياحي يستفيد اقتصاديا من الزوار.
أما في السنوات الأخيرة وقد فتحت أبواب البر والبحر على مصراعيها لمن هب ودب من ناحية ومن ناحية أخرى اشتدت المنافسة بين المطوفين فإن كل من لاقيت يشكو دهره.
فالمطوف وقد بلغ حجاجه الألف يسخط ويلعن ويولول وقد كانت مائة تجزيه لو سلم من التاجر والتكالب.
والتاجر وقد كان فرحا لأن عدد حجاج هذا العام نصف مليون والشوارع مزدحمة والطرقات ملأى فراح يملأ دكانه بالبضائع فينتهي الموسم قبل أن تنتهي بضائعه.
والحكومة وقد جندت كل إمكانياتها وأنفقت الكثير بل أكثر من الكثير تجد نفسها بعد كل إرهاق وكل عنت لم تؤد الواجب كما تحب أن تؤديه.
والحاج المقتدر الذي جاء ليؤدي الفريضة فيجد الحج على هذه الصورة المتعبة التي لا يجدها في أي رحلة ارتحلها يتهم الحكومة بالتقصير..
فلماذا لا تتلافى كل هذه المشاكل بإجراء بسيط جدا يجمع كل المصالح المشتركة.
(1) مصلحة الحاج غنياً كان أو فقيراً.
(2) مصلحة البلاد.
(3) مصلحة الحكومة.
لماذا لا تشترط ما اشترطه الله في الحاج وهو القدرة على الزاد والراحلة فقط فنطالبه بتجهيز ما يؤويه ويؤكله ويشربه خلال أيام الحج فقط؟!
إنها تجربة أيضا نرجو إجراءها معتقدين أنها ستقضي على الكثير من مشاكل الحج . الماء .. الزحام .. المرور .. المستشفيات .. الغلاء .. الشوارع والطرقات..
ومن ثم فإننا نقترح ما يلي:
(1) قفل حدود المملكة في وجه كل قادم بدون جواز سفر وتأشيرة من الممثليات السعودية.
(2) منع إعطاء تأشيرة لأي حاج ما لم يبرز شيكا على جدة أو مكة باسمه بمبلغ تكفيه مدة الحج للزاد والراحلة والسكن بعد تقديره من الخبراء.
(3) تطبيق نظام "الجامو" المطبق على الحجاج الجاويين فقط على جميع أصناف الحجاج وبهذا نضمن عدم وجود حجاج يسكنون الشوارع أو المساجد أو الطرقات.
(4) تحريم التسول والعمل على الحجاج ويوضع ذلك كتعليمات ضمن ختم التأشيرة بلغة الحجاج كما تفعل بعض البلاد العربية فتنص في تأشيرة الدخول إليها بأنه يحظر على الداخل العمل بأجر أو بدون أجر مع الإنذار بالترحيل حالا حالة العثور عليه متلبسا بأحد المحظورين.
إننا بهذا نستطيع أن نجعل من الحج رحلة روحية ممتعة إن تخللها شيء من المتاعب فإنها طفيفة شأن كل رحلة.
إننا نرجو من المسئولين عن الحج والحجاج دراسة هذه الاقتراحات وسابقتها من الآن واختيار المناسب منها وإعداده للتطبيق في الموسم القادم كتجربة نرجو أن يكتب لها النجاح.