قد يظن أن هذه المناقصات التي تجري لتأمين مستلزمات الحكومة تأتي بالأحسن والأرخص وتحول دون الاستغلال والجشع ولكن الواقع خلاف ذلك فإنها إن جاءت بالأرخص فعلا فإنها تأتي بالأردأ.
قال محدثي وقد اكتوى بنار هذه المناقصات وما تأتي به من حثالة البضاعة ومغشوشها: لقد أعلنت مرة إحدى المصالح عن طلب مكيفات هواء وتناقص عليها المتناقصون ورسى العطاء طبعا على أخفضهم سعرا، ولكنها سرعان ما تعطلت عن العمل رغم أنها طبق المواصفات والشروط.
وأعلنت مرة عن مناقصة كمية كبيرة من الحبر وتناقص عليها المتناقصون وفاز بالعطاء صاحب السعر الأخفض، وجاء به حبرا لا يستقر باطن الأقلام إلا إذا كان رأسها مرفوعا، أما إذا نكس الريشة على الورق لتكتب فإنه يفرغ كل ما في بطنه ليستقر على الورق وربما على الثياب.
لقد أدرك المتناقصون الذين تعودوا دخول المناقصات أن المسألة مسألة السعر الأخفض فليدخلوا المناقصة بأي سعر ثم يستوردوا ما رسى عليهم بالاتفاق مع المصنع ليعمل لهم الطلب في حدود السعر مع وافر الربح وبعدها فليكن الحبر نصفه ماء ونصفه حبرا.. وليكن الحديد رفيعا حتى يقرب من الصفيح وهكذا..
والذي يؤكد هذا أن المناقصات أصبحت ترسو على عدد محدد من الناس هم الذين أجادوا هذه الوسائل دون أي تحديد لاختصاص في دخول المناقصات. فالمناقص الواحد يدخل في مناقصة أدوات كتابية مثلا ثم يدخل في مناقصة مكيفات هواء، وهو نفسه يدخل مناقصة البدل العسكرية وإذا أعلن عن مناقصة مطبوعات وهو لا يملك مطبعة دخل فيها أيضا بالباع والذراع.
إن هذه المناقصات حصرت الاستيراد في عدد محدد بعد أن كانت الفائدة تشمل الكثيرين، ومن رأيي أن يلغي هذا النظام وترك كل مصلحة حرة في تأمين حاجياتها جميعا من الأسواق بطريق الشراء، فذلك أدعى لتنشيط الحالة الاقتصادية التي يعتريها الركود الآن.