تحدثت في كلمتي السابقة عن مسئولية الحكومات الإسلامية نحو توعية الحجاج وتنظيم رحلات حجهم تخفيفاً من العبء الثقيل الملقى على حكومة هذه البلاد وحدها وأجهزتها وما تلاقيه من مشاق مع بعض الحجاج الذين يخرجون من بلادهم وليس لديهم أية فكرة عن الحج سوى أنها رحلة واجبة مفروضة سيحلون بها ضيوفاً يقابلون بالعناية والترحاب فالمريض سيجد المستشفي والعلاج والفقير سيجد الأكل والشراب والمأوى والمركب والهرم سيجد من سيكفله ويرعاه.
وهم فعلاً ضيوف ويقابلون دائماً عندنا بالعناية والترحاب وبذل كل العون ولكن ضيافة أكثر من مليون حاج خلال أيام معدودة تصبح ضيافة شاقة تحتاج إلى تعاون بين الضيف والمضيف.
تحدثت عن ذلك وطالبت بأن تساهم الحكومات الإسلامية بنفسها في هذه المسئولية الإسلامية وعدم ترك العبء كاملاً على الحكومة السعودية وأجهزتها بعد أن تضاعف عدد الحجاج وما زال يتضاعف عاماً بعد عام وضربت مثلاً بما تفعله حكومة إيران وما بدأت تفكر فيه حكومة ليبيا وحكومة جمهورية مصر فتلقيت بعد ذلك من صديق نسخة من كتاب (دليل) أصدرته حكومة الهند يصح أن يكون نموذجاً رائعاً لتوعية الحجاج وتنظيم رحلتهم وتوجيههم الوجهة الصحيحة كي يؤدوا مناسكهم في يسر وسهولة والذي ينقصه هو تشكيل جهاز يتولى مراقبة تنفيذ ما جاء بهذا الدليل والإشراف عليه لأن إصدار (دليل) للقراءة فقط لن يعطى أية نتائج إيجابية.
يبدأ هذا الدليل بتوعية الحاج بما يجب عليه من خروجه من بلده وينتهي بعودته إليها مروراً بما يجب حمله معه من مصاريف ووسائط النقل والإحرام عند الميقات والسؤال عن المطوف والتفتيش الجمركي وصرف الحوالة النقدية وأتعاب المطوفين والإقامة بمكة وأيام الحج الخمسة في منى وعرفات والمشتريات الغير مصرح بها والحبوب الغذائية التي تصرف لكل منهم من حكومتهم بعد وصولهم المملكة وأخيراً نظام العودة ومواعيد رحلاتها.
كما بعث لي بنسخة من تعليمات مماثلة أصدرتها حكومة العراق جاء فيها تقسيم الحجاج إلى مجموعات متساوية لا يزيد عدد كل مجموعة عن 150 حاجاً يتولى إدارتها أشخاص مرخص لهم من الحكومة يشترط فيهم الخبرة السابقة بأمور الحج يصحب كل مجموعة مرشد ديني وإعداد حقائب جلدية بموجب نموذج موحد، ولكن أكثر تعليمات هذه النشرة تختص بتنظيم رحلات حجاج البر، ولو أن هذه التعليمات طبقت بدقة على جميع الحجاج سواء حجاج البر أو الجو وشكلت بعثة لمراقبة التنفيذ والإشراف عليه كما تفعل حكومة إيران لأصبح الحاج العراقي كالحاج الإيراني تنظيماً ولساهمت حكومة العراق بقسط كبير في تنظيم حجاجها وإراحتهم.
إن إصدار مثل هذه الإرشادات سواء دليل حكومة الهند أو تعليمات حكومة العراق هو دليل على إدراك حكوماتهم لمسئولياتها ويدل على سعة الإطلاع وخبرة ما يقابل الحاج في هذه الرحلة الدينية من مسئوليات وواجبات ولكن الإصدار وحده لا يكفي فأكثر الحجاج ممن لا يقرأون ومن يقرأ ليس لديه القدرة على فهم ما كتب بها.
فالمطلوب من جميع الحكومات الإسلامية تشكيل أجهزة خاصة بتنظيم رحلات الحجاج ومرافقتهم لتنفيذ التعليمات الموضوعة لهذه الرحلات وتقسيم الحجاج إلى مجموعات لإدارة مسئولة عنهم منذ خروجهم إلى عودتهم.
إن هذه الوسيلة الوحيدة لتحقيق حج ميسر مريح وهو ليس واجب حكومتنا بل واجب كل الحكومات الإسلامية والله الموفق.