كنا جميعاً من مطوفين وغير مطوفين ودار الحديث عن مؤسسات الطوافة وعمل المطوف وأهميته أو عدم أهميته وقال قائل ممن لا يعرفون شيئاً عن مهنة الطوافة وماذا يعانى المطوف وماذا يقدم وماذا يبذل من جهود في خدمة الحاج ربما لو طلبت منه لغير الحاج تكاسل ورفض أن يؤديها؟
وقال هذا القائل: وماذا لو استغنينا عن عمل المطوف وقلبناها سياحة؟
قلت أنك لا تفرق بين نوع السائح ونوع الحاج فشتان ما بين النوعين.. هذا من جهة.. أما من الناحية الأخرى فإن أعمال الحج أعمال محدودة في زمن محدود وفي مكان محدود لا مجال في ذلك لتقديم أو تأخير.
أضف إلى ذلك عقليات الحجاج ولغاتهم ودرجات فهمهم للأمور كل هذه أمور لا يدركها إلا المطوف الذي مارس المهنة مدة طويلة حددها نظام المطوفين بأكثر من عشرين سنة الأمر الذي يدل على مدى أهمية استيعاب أسلوب خدمة الحجاج وإدارة شئونهم.
قال: ألا يتقاضى المطوف على ذلك أجراً مما يسمى " مصلحة "؟!
قلت: بلى.. ولكنها تعد ضئيلة بالنسبة للجهود والخدمات التي يقدمها المطوف فهو يقدم مقابل ذلك تأمين الماء والنور والفرش والخدمة والحراس ومن يقومون بتلقين الحجاج أدعية الطواف والسعي والأدعية المأثورة في الحج والذين ينقلون الخيام وأمتعة الحاج إلى منى وعرفات كل ذلك يحتاج إلى صرف وصرف سخي لأنها أيام موسم كل شيء وكل أجر يرتفع فيها لا استغلالاً ولكن لشدة الزحام وصعوبة المواصلات وكثرة الطلب.
قال: وهل تتصور أن المطوف لو لم يكن في ذلك رابحاً يمارس هذه المهنة تطوعاً؟!
قلت: أنا لا أنكر الربح ولكنى أستطيع أن أجزم أنه ليس سوياً وأن خدمة المطوف للحاج بهذه الصورة التي نراها إنما هي تسخير لسكان هذا البلد المقدس لخدمة وفود الرحمن وإلا فهل تستطيع أن تدلني على مطوف واحد يعد من الأثرياء بسبب مهنة الطوافة؟! إنهم جميعاً متوسطي الحال وإذا وجد منهم أفراد معدودون وسع الله عليهم فإنهم من الوارثين أو الذين يمارسون أعمالاً أخرى حرة تدر عليهم أرباحاً مجزية أو كبيرة ومع ذلك فإنهم لا يتعالون ولا يستنكفون من خدمة الحجاج بل يعتبرون ذلك شرفاً وثواباً وعملاً إنسانياً لأن الحجاج ضيوف الرحمن يتلذذون بخدمتهم ومعايشتهم تلك الأيام الروحية.
قال: وهذه الشكوى المتكررة من بعض المطوفين وسوء معاملتهم للحجاج؟!
قلت: ها أنت بنفسك قلت بعض ولم تقل كل وثق أن هذا البعض ضئيل جداً لا يكاد يذكر، وعلى الرغم أن بعض الشكاوى ليست في محلها وبعضها سببه الحاج نفسه أو سوء فهم على الأقل، فهو مثلاً عندما يدفع في بلده مبلغاً أو في جدة " وللحمدار " أو الشركات الناقلة له من بلده مبالغ مقابل النقل أو مصالح أرباب الخدمات كالمطوف والوكيل والزمزمى والدليل وكلها مقابل خدمات – عندما يدفع ذلك يظن أن هذا كل شيء من مصاريف الرحلة بما فيها السكن وبعض شركات النقل – وخاصة البرية – تحاول أن تخدع الحاج لينضم إلى قافلتها وتتعهد له بكل شئ مقابل المبلغ الذي تتقاضاه منه وعندما يأتي إلى مكة المكرمة تتركه السيارات ونفس الشيء في منى وعرفات ثم تقول له أن المطوف هو المسئول وهو المقصر وتوغر صدره عليه بينما هو لا يراه بل يذهبون به إلى مواقف السيارات في مكة المكرمة ومنى وعرفات – وخاصة غير العرب وهم عادة من الشيوخ والنساء والسذج ممن يصدقون كل ما يقال لهم.
وهناك فريق من الحجاج يغامرون برحلة الحج إيماناً واحتساباً دون توفر الإمكانيات مدفوعين بمشاعر الروحانية التي تسيطر عليهم بمجرد اعتزام الحج فيصطدمون هنا بأجور السكن التي تفوق طاقتهم وحينئذ يقع الخلاف مع المطوف ويطلبون منه أن يستأجروا موضعاً صغيراً لوضع أمتعتهم فقط أي يستأجرون غرفة يفترض أن يسكنها أربعة أشخاص لعشرة أشخاص فيودعونها عفشهم ثم يتخذون من المسجد الحرام أو الأرصفة أو ظلال الكباري مقاماً ومناماً لهم ثم تلصق هذه التهم بالمطوف البرئ.
ولو أننا نظرنا إلى موضوع الشكاوى بعين الإنصاف وبالنسبة لعدد الحجاج وعدد المطوفين وظروف الحج وفقدان الوعي عند الأكثرية الساحقة من الحجاج وأسلوب المغامرة الذي يتسم به خروج الكثيرين منهم للحج دون توفر الإمكانيات المادية والصحية لوجدنا أن النسبة ضئيلة جداً وربما أقل مما يحدث في أي مجتمع.. وفي الظروف العادية.. فليس من المعقول أن نطلب من المطوفين أن يكونوا جميعاً ملائكة لا يخطئون فالخطأ جائز على بني آدم وكل من يعمل لا ينجو من الخطأ ووزارة الحج نفسها هي المطلعة على ما يعانيه المطوفون وما يقدمون من خدمات، وهي بذلك ولا تزال تبذل في سبل التيسير وتوفير الراحة والتنظيم والحكومة لا تبخل عليها بالإنفاق السخي لتحقيق المزيد من التنظيم والتسهيل.. والمطوف المثالي موجود والحاج المثالي أيضاً موجود ولكن أن يكون موسم الحج كله مثالياً فإنه أمر صعب المنال.
قال محدثي وقد تغيرت ملامح وجهه إلى الرضا، لقد أطلعتني على أمور ما كنت أعرفها أنا وكثيرين أمثالي ممن نكيل السخط والنقد للمطوفين ونرميهم بكل نقيصه ونحملهم.. مسئولية كل ما نراه وقد كنا لهم ظالمين فمعذرة وليتك تنشر هذا الحديث ليفهم ذلك من لم يعرف وينحى بكل اللائمة على المطوفين وهو لا يدرى ماذا يعملون وماذا يقدمون من خدمات لوفود بيت الله وخدمة البلاد المقدسة مما سيقع من جراء ترك هذه المئات من الآلاف دون رعاية أو تنظيم كالذي يقوم به المطوفون الآن ومن يتصور أن الحجاج كالسياح يمكن أن يؤدوا مناسكهم دون مطوف فإنه واهم بل مخطئ.
قلت سأنشر ذلك بإذن الله رغم أنه طويل.