ما تزال كثير من المعاملات الرسمية تظل شهوراً طويلة رهن الإجراءات من دائرة إلى دائرة نتيجة للبطء في الفصل فيها، وليس هذا مقصوراً على المعاملات الشاذة أو المعاملات التي تحتاج إلى سن قانون أو وضع نظام لها بل حتى في القضايا الواضحة التي لا تتحمل أكثر من كلمة: لا.. أو نعم.
موظف يشكو من رئيسه أو رئيس يشكو من موظفه تظل هذه المعاملة تتطوح شهوراً وربما سنوات دون أن يبت فيها.
رئيس أو زملاء يكيدون لزميل ويتهمونه بالإخلال بعمله ويوقف هذا الزميل من العمل وتمضى الأيام والشهور دون أن تثبت التهمة أو تنفي، ويظل هذا المتهم معلقاً بين السماء والأرض.
قضايا الموظفين والعمال تظل تترنح بين الدوائر العليا والصغرى وتتضخم لغايتها وتحفى أقدام أصحابها وتتأزم حالهم وتمضى الشهور وربما السنين دون أن ينالوا حقوقهم حتى ولو حكم لهم بها فإن التنفيذ يحتاج إلى زمن أطول من زمن الحصول على الحكم.
كل هذا معروف ومشهور والشواهد عليه كثيرة لا أخالني في حاجة إلى ذكر فلان أو علان.
إن هذا الأسلوب في سير المعاملات يبعث على اليأس من الإنصاف وأخذ الحق إذا لم يكن المرء مستعداً للصبر الطويل والجري الكثير بل قد يؤثر الإنسان ضياع الحق والانصراف إلى العمل على الاشتغال بالجري والتسكع على أبواب الدوائر في انتظار الإنصاف بعد عمر طويل.
أكتب هذا الكلام وأمامي رسالة من موظفي شركة عبد العزيز كعكي الذين سبق أن كتبت الندوة عن مأساتهم في 3 ذي الحجة 78 تحت عنوان (وجهة نظر) والتي يقولون فيها أنهم أصبحوا حيارى بعد أن استوفت قضيتهم كل إجراءاتها في مصلحة العمل إلى نقابة السيارات إلى وزارة الداخلية إلى مجلس الوزراء إلى المحاكم الشرعية وإمارة منطقة مكة وديوان المظالم وأخيراً إلى رئاسة مجلس الوزراء برقم 2095/23/4/79.
وعلى الرغم من أن استغناء الشركة عنهم وتنسيقها لهم كان بقصد الإيذاء فإنهم سلموا أمرهم لله واكتفوا بطلب التعويض عن مدة خدمتهم السابقة كما يقضى بذلك نظام العمل والعمال؛ وقد أيدوا مطلبهم هذا من مصلحة العمل وأوضحت ما يستحقه كل منهم ولم يبق إلا التنفيذ ومع ذلك فإنه حتى الآن لم ينفذ شيء، والنقطة الحساسة التي وردت في ختام الرسالة هي هذه العبارة (إذا كان العمال جميعاً سيقاسون مثل ما قاسينا فإنهم ولا شك سيفضلون التمرغ على الوظائف الحكومية أو البطالة، في الوقت الذي تتعالى فيه الصيحات بحاجة البلاد إلى صناعات، والصناعات لا تقوم بغير العمل ، فكيف نريد إيجاد طبقة من العمال دون أن يكون هناك ضمان لإعطائهم أبسط حقوقهم التي نص عليها النظام؟).
وهو كلام حق فإن المسألة في رأينا أبسط من أن تقتضى كل هذه الإجراءات وهذا التطويل وقد كان مفروضاً أن تعرف شركة عبد العزيز كعكي واجبها فتقدر لكل عامل مكافأته بمقتضى النظام وتصرفها له مع كتاب تسريحه.
فإذا تجاهلت هذه الحقوق فإن على مصلحة العمل أن تقدر ذلك في تحقيق لا يستغرق أكثر من أسبوع ثم تكلف الشركة بالصرف فإذا امتنعت تصدر عليها أمراً سامياً لتنفيذ مقتضى النظام المصدق.
هذا ما كان مفروضاً أن يتم في أقصر مدة أو عكسه إذا كان هؤلاء العمال لا يستحقون شيئاً فقد كان ينبغي إفهامهم ذلك مبكراً ليقطعوا الأمل وينصرفوا إلى أعمالهم.
أما أن يكونوا أصحاب حق ثابت ثم تمضى الشهور تلو الشهور قبل أن يحصلوا عليه فذلك ما يتنافي مع أبسط قواعد العدل الذي هو أساس الحكم عندنا.
إن المطلوب الآن هو لفتة كريمة من سمو رئيس مجلس الوزراء لتشكيل لجنة من الخبراء الإداريين المحليين لوضع تنظيم جديد يضمن سرعة البت ومثل هذه المعاملات وتخفيف إجراءاتها ولإيصال صاحب الحق إلى حقه أو إفهامه أن لا حق له في أسرع وقت.
وأستطيع أن أؤكد – بعد خبرة طويلة قضيتها موظفاً إدارياً بالقضاء الشرعي ثم بالأمن العام أن في إضبارات جميع المصالح الحكومية أنظمة وتعليمات من شأنها تسهيل قضايا الناس ولكنها نسيت نتيجة للتغيرات التي طرأت على الوظائف والموظفين خلال السنوات الماضية وهى في حاجة إلى من يبعثها لإدخال بعض التعديلات عليها وفق مقتضيات الحال والعمل بها لإصلاح الأوضاع وربما كان مجلس الشورى أدرى بكثير من هذه التعليمات والأنظمة.
إن سموه معقد الأمل ومحط الرجاء وفقه الله.