قال محدثي وقد عاد قريباً من يوغسلافيا ورأى بعيني رأسه كيف يعيش الناس في المجتمع الاشتراكي.. قال لي – وأنا أنقل حديثه بأمانة-: كنت في فرنسا والتقيت بشابة أفلتت من جحيم الحياة في يوغسلافيا وتركت أسرتها فحملتني رسالة إلى أبيها وأعطتني عنوانه..
ولما وصلت العاصمة اليوغسلافية رحت أسأل عن العنوان فلم أجد من يدلني عليه بل كان كل واحد حتى رجل البوليس يقول لا أدرى فقد كنت محاطاً بعدد من رجال المباحث يعدون على أنفاسي وخطواتي وكلما سألت واحد كلما زاد عدد رجال المباحث الذين يريدون الوقوف على هدفي، وبعد لأي تطوع شخص ساذج فأرشدني إلى العنوان وكان قيد خطوات منى، وقابلت الأب المسكين وأنكر أول الأمر أن تكون له ابنة في فرنسا وبعد محادثة طويلة استطعت أن أقنعه بالاطمئنان إلى والاعتراف والاستماع إلى الرسالة الشفوية من ابنته..
وعندما أردت شراء حاجة لي من بائع متجول وأردت أن أساومه في السعر قال لي: أنني الحكومة وهى التي تحدد السعر أبيع بضاعتي هذه لصالحها ولا أملك أن أزيد أو أنقص.
هذه صورة خاطفة من حياة الشعب في المجتمع الاشتراكي الذي يتحمس للدعوة إليه بعض شباب العرب انسياقا وراء شعاراته الزائفة واغتراراً بمظاهره الأولى دون إبعاد النظر إلى ما وصلت إليه الشعوب الأخرى بعد طول أمد على اعتناقها المبادئ الاشتراكية.
إن الناس هناك – كل الناس – أشبه ما يكونون بالآلة التي تديرها الحكومة وهى تعيش لتأكل ولا شيء غير ذلك..
إلى هنا انتهت قصة محدثي ، أما تعليقي أنا فإني لا أدرى ماذا اعتبر أولئك الذين يقولون أن الاشتراكية من الإسلام؟! أهم يخادعون أنفسهم؟! أم يخادعون الناس؟!
وإذا كانوا بتطبيق الاشتراكية إنما يطبقون تعاليم الإسلام - كما يزعمون – فلماذا يسمونها اشتراكية ويجعلون الإسلام عالة على تعبيرات أعدائه؟!
لماذا لا يقولون هذا هو الإسلام ثم يشرعون لهم دستوراً إسلامياً مقتبساً من مصادره الإسلامية ثم يطبقونه على مجتمعهم ليدخل الناس في دستورهم أفواجاً بدلاً من هذه القصص والروايات التي يروونها لنا تارة عن النبي (ص) وأخرى عن عمر بن الخطاب وثالثة عن عمر بن عبد العزيز إلخ..
إن مصادر التشريع معروفة وأصول الدين واضحة وقد تركنا – عليه الصلاة والسلام- على المحجة البيضاء ، فلماذا نلف وندور والحلال بين والحرام بين وفي وسعنا أن نتقى الشبهات.
أم تراهم يريدون بتسمية الإسلام اشتراكية أن يتملقوا الديانات الأخرى؟! وهل هذا الذي يعملون من الإسلام أيضاً؟ وهل من حقوق أصحاب الديانات الأخرى – وهم قلة بلا شك في بلداتنا الإسلامية – أن نرعى خاطرهم إلى هذه الدرجة فلا نسمى مجتمعنا إسلامياً ونسميه اشتراكياً ولا نطلق على تعاليم الإسلام إسلامية بل نطلق عليها اشتراكية؟
أم أن المسألة كلام في كلام. وتلفيق في تلفيق.. وتضليل في تضليل والإسلام براء من كل هذا؟!
الجامعة العربية
لا أظن أن عربياً واحداً يمكن أن يكون راضياً عن هذه الاجتماعات التي تعقدها الجامعة العربية بين الحين والآخر وتتمخض عن قرارات «لافيش ولا عليش» وقد ذكرني قرارها بتأجيل موضوع الكيان الفلسطيني إلى الاجتماع القادم لوزراء الخارجية بما يفعله عندنا بعض الموظفين من تصريف معاملات الجمهور التي بين أيديهم بتحويلها إما إلى فوق للأمر بما يجب وإما إلى تحت لإجراء اللازم لتظل المعاملة دائرة في حلقة مفرغة لا نهاية لها ، وما كان يلجأ إليه بعض القضاة عندما كنت موظفاً قضائياً من اختتام القضية بتقرير (صرف النظر) وهو ليس حكماً فاصلاً ولا رداً للدعوى ولكنه إنهاء مؤقت..
وبعد فهلا يرى معنا مجلس الجامعة أنه من دواعي الأسف – على الأقل – أن يكون قد (مضى خمسة عشر عاماً قبل أن يخرج بقرار حاسم في قضية فلسطين أو غيرها من قضايا العرب)؟!
أول الغيث قطر
أول الغيث قطر، وأول الانحراف نزر، والتقليد الأعمى يضر، وقد رأى أخوة لنا ماذا عملت المرأة في بلاد أخرى فأرادوا أن يقلدوا دون أي اعتبار للآثار الخلقية والاجتماعية التي سوف تنتح عن هذا التقليد..
لقد اعتبروا خروج المرأة إلى المجتمع الحديث تطوراً وتمديناً وراحوا يدعون بحماس للزج بالمرأة عندنا في هذا الخضم المتلاطم من المشارب كي تلحق بأختها العربية في البلاد الأخرى من ناحية.. وكي يقال إننا شعب متطور متمدين من ناحية أخرى.
أما النتائج التي ستترتب على هذا الخروج فإنها ما لم يفكروا فيه بل لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن تجارب الآخرين وهل حمدوا النتائج أم أنهم راحوا يعضون بنان الندم!؟
لقد حز في نفسي ما كتب عن المأساة التي تمخض عنها أحد احتفالات الزفاف في أحد الفنادق الكبرى في بلادنا وكيف أجبرت المدعوات إلى الخروج سافرات بعد أن وضعن أمام الأمر الواقع.
لقد حز في نفسي وتساءلت إلى أين المصير؟! وهل بلغ بنا الاستهتار إلى درجة إرغام المحتشمات والمخدرات على السفور؟! ألسنا بهذا الأسلوب نكون قد بززنا كل من سبقنا من دعاة السفور وأنصار المرأة؟!
هذا ما كنا نخشاه ونشفق منه على مستقبل مجتمعنا عندما حذرنا من الاندفاع وراء العادات والتقاليد المستوردة وطالبنا بالحفاظ على تقاليدنا وعاداتنا وأخلاق نسائنا فقالوا لنا إننا معوقون لعجلة التطور و.. و.. إلخ.
إننا ما زلنا نأمل ونرجو أن تتقلب الحكمة على العاطفة الموقوتة عند شبابنا فيقللوا من حماسهم – على الأقل – في الدعوة إلى تطوير مركز المرأة في مجتمعنا ويقفون بها عند الحدود التي منحها لها الإسلام ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه.