لم نستطع أن نفهم مواقف بعض الزعماء الذين جاءوا على أسنة الرماح ودبابات الانقلابات ورأسا من الشارع دون تربية أو أخلاق..وانضمام هذا البعض إلي قافلة البغاة وقراصنة الأموال وعصابات المجرمين كما أننا لا نستطيع أن نقبل أو نتجاوز عن ذلك الفريق من قادة الجماعات الذين تزعموا- في بلادهم وخارج بلادهم- الدعوة إلي الإسلام ومبادئ الإسلام وأخلاق الإسلام واستبشرنا خيراً للإسلام لوجود هؤلاء بين الشعوب الإسلامية ورحنا نتابع نشاطهم وندعو لهم بالتوفيق ونحس بأحاسيسهم عندما تنزل بهم محنة في ديارهم.
ومن هؤلاء الأستاذ حسن الترابي في السودان والشيخ عبد الرحمن خليفة في الأردن والشيخ راشد الغنوشي في تونس وعباس مدني بالجزائر، وكنا نتوقع بحكم إسلاميتهم وتربيتهم الإسلامية وأخلاقهم الظاهرة أنهم أول من يستنكر ويشجب العدوان العراقي على الكويت لا لشيء إلا إنه مخالف لكل مبادئ الإسلام ولا يوجد أي مبرر لهم. فالإسلام يحرم العدوان من أساسه ولو في أبسط صورة. والإسلام يحرم قتل النفس. والإسلام يحرم سرقة المال. والإسلام يحرم ترويع الآمنين. والإسلام يحرم انتهاك الأعراض. كل هذه الجرائم البشعة ارتكبها صدام حسين في البلد الشقيق الكويت صبيحة ذلك الخميس الأسود من شهر أغسطس الماضي مضافاً إليها تشريد السكان وإخراجهم من بيوتهم وتعطيل الحياة وموت المشردين عطشاً وجوعاً في الصحراء.
لم يفعل هذا صدام حسين بعشرة أو عشرين أو ثلاثين من الناس ليدخل في عداد الجرائم العادية من أمثاله ولكنه فعل ذلك مع شعب كامل يزيد عن المليون دون تفريق بين مواطن أو ضيف أو مقيم أو عابر سبيل.
إن الإسلام الذي وقر في نفوسنا ونفوس هؤلاء القادة وأمثالهم وأتباعهم..هذا الإسلام قد أمرنا بأن من رأي منكراً فليغيره بيده أو بلسانه أو بقلبه وذلك أضعف الإيمان، وهذه القاعدة الإسلامية دليل على أن من لم يفعل هذا الأدنى من الإيمان فهو غير مؤمن..فهلا كان في وسع هؤلاء القادة أن يلوذوا بالصمت الذي هو أضعف الإيمان ليصونوا سمعة الإسلام في نظر من اعتبرهم قدوة أو صورة من صور المسلم الحق بدلاً من هذا التشويه الذي أصابوا به الإسلام والجرح الذي جرحوا به إخوانهم المسلمين؟!
وكيف إستطاع أن يقنعهم بكلام تافه لا يقنع الأطفال أن هذه القوات في مواجهة قواته المعتدية في أقصي شمال شرقي المملكة بعيداً عن الحرمين بأكثر من ألف وخمسمائة كيلو متر، وهي في الوقت نفسه لم تأت غازية ولا محتلة بل بطلب للضرورة وستعود أدراجها بمجرد انتهاء هذه الضرورة؟!
ألم يدركوا الفرق بين صديق جاء ليسند قواتك في الدفاع ورد عدوك في نحره؟! وصديق دعىّ غزا جيرانك بليل ويتحفز لغزوك بل غزو المنطقة كلها مخالفاً كل القوانين السماوية والوضعية والمواثيق الدولية، يحتل الأرض وينهب الأموال ويريد السيطرة على الثروات ويجعل من نفسه خالقاً رازقاً يوزع الأرزاق بين عباد الله!
لقد عرفت الخليقة عددا ًمن المتنبئين والمتألهين ولكنهم كانوا بسطاء مساكين. ففرعون قال لقومه أنا ربكم الأعلى وأكتفي بهم ولم يغزو بلدان أخرى ليعبدوه، وكذلك النمرود. لكن صدامهم المتألة الجديد لم يكتف بنشر سلطانه ونفوذه على العراق المبتلي به بل راح يمد جبروته وطغيانه على الجيران بادئاً بالكويت ولو كتب له النجاح في هذه الغزوة لوصل إليهم وقال لهم ما قال فرعون لقومه ووضعهم تحت أقدامه، ولكن الله لطف بعباده المؤمنين فهزمه شر هزيمة.
فيا أيها الأخوة ارجعوا إلي الله..ارجعوا إلي الحق..ارجعوا إلي ضمائركم..ارجعوا إلي الإسلام فاستفتوه فيما اقترفتم فما زال باب التوبة مفتوحاً وطريق الحق بينا فاسلكوه وكونوا ورثة الأنبياء ولا تكونوا ذيولاً للحكام وأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.