في هذا الشهر يحتفل المسلمون كل في قطره وفق تقاليده بذكرى المولد النبوي؛ وليس من شك أننا سنذكر في هذا اليوم – مع الذاكرين – الميلاد، وما لابس هذا الميلاد، وما نجم عنه من خير للإنسانية؛ وما كان له من أثر في هداية البشرية بعد غوايتها وإمعانها في الضلال.
نعم سيذكر كل منا هذا إجمالاً بدون تفصيل، وسيذكر البعض كيف خرت الأصنام وأضاءت الأكوان، وسقط الإيوان يوم الميلاد، وكيف تنقل -عليه السلام- في الأصلاب الطاهرة والأرحام الزكية، وكيف كان الأنبياء يزورون آمنة واحداً بعد الآخر مبشرين بخير الأنبياء وسيد الرسل، وكيف أحدق الملائكة بها فعن يمنيها جبرائيل وعن يسارها ميكائيل إلى آخر ما أحاط بمولده عليه السلام من خوارق ومعجزات.
هذا ما سيذكره كثير من الناس مما لا يفيد في واجب هذه الذكرى الكريمة أما أنت أيها القارئ العزيز فيجب أن تذكر في هذه المناسبة أشياء وأشياء.. يجب أن تذكر أخلاق محمد -صلى الله عليه وسلم- وأعماله تلك الأخلاق والأعمال التي استطاع بها أن يجعل من ألد أعدائه أود أصدقائه، ومن أعرق الناس جفاء وغلظة أمة رقيقة الحس مرهفة الشعور، ومن شعب فان يدين بعقائد فاسدة، وعادات كاسدة فيئدون بناتهم ويتناكحون الشغار، ويجمعون بين الأختين ويعبدون الأصنام، ويؤمنون بالخزعبلات والترهات، جعل من هؤلاء في أمد وجيز من الزمن شعباً يؤمن بالفضيلة إيمانه بدينه وربه ويدين بالحق والخير والجمال.
يجب أن تذكر من أخلاق محمد -صلى الله عليه وسلم- الثبات وصدق العزيمة يوم بلغ إيذاء قريش له ولأصحابه الذروة ثم عرضوا عليه الملك والمال والأمن وهو أحوج ما يكون إلى كل ذلك على أن يدع الدعوة فرد على وسيطهم قائلاً: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته!!
يجب أن تذكر من أخلاقه الأمانة، الأمانة التي راحت مضرب المثل قبل بعثته فسماه قومه الأمين وتصوره وقد أحدق الأعداء بداره يريدون اغتياله ليلة الهجرة فلم يشغله تفكيره في رسم المخطط ووضع التدابير للخروج من هذا المأزق الحرج، لم يشغله هذا عن التفكير في الأمانات التي لديه للناس فأوصى علياً أن يردها إلى أصحابها قبل أن يغادر مكة لاحقاً بالرسول.
يجب أن تذكر من أخلاقه حلمه وعفوه وكيف قابل كسر القوم لرباعيته وشديد إيذائهم له بالدماء اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون!!
يجب أن تذكر من هديه وإرشاده كيف كان عليه السلام نظيف المنظر والمخبر وكيف كان يعتني بهندامه وملابسه، وكيف كان يحرص على السواك ويحث عليه وكانت أسنانه ناصعة بيضاء وكيف كان ينفر من منظر الأسنان القذرة.
اسمع إليه وهو يقول حاثاً على السعي والعمل: "ليس منا من ترك دنياه لآخرته ولا من ترك آخرته لدنياه، لئن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب ويبيع خيراًِ من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه".
واسمع إليه وهو يلقى أعظم درس في الأخلاق وحسن المعاشرة "من لا يعطف على مخلوقات الله أو على عياله لا يعطف الله عليه"، وأيما مسلم كسا مسلماً على عرى كساه الله من خضر الجنة؛ والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه ".
واسمع إليه أخيراً وقد أحس أنه لاحق بربه ومودع صحبه لم يصرفه ما كان يعالجه من سكرات الموت عن إسداء آخر ما في جعبته من النصح الرشيد: "إنى لاحق بربي، وأنتم لاحقون يى، فأوصيكم بالمهاجرين الأولين خيراً، وأوصى المهاجرين فيما بينهم بخير، وإن الأمور تجرى بإذن الله، ولا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله فإن الله عز وجل لا يعجل لعجلة أحد، من غالب الله غلبه، ومن خادع الله خدعه، ألا وإن موعدكم الحوض، ألا فمن أحب أن يرده على غدا، فليكفف يده ولسانه إلا فيما ينبغي، أيها الناس إن الذنوب تغير النعم، فإذا بر الناس برتهم أئمتهم، وإذا عق الناس عق أئمتهم ".
يجب أن تذكر كل هذا وتتأدب به فالذكرى تنفع المؤمنين.