يمر بنا موسم الحج كل عام وتمر بنا معه مشاكل وتجارب ومتاعب ثم يمضى كل ذلك وننسى كل شيء في غمرة الحياة التي نحياها ولا ندرى أيحاول المسئولون عن الحج والحجاج أن يسجلوا شيئاً في مذكراتهم عن هذه المشاكل والتجارب والمتاعب ثم يحاولوا «أيام البصارة على حد تعبير العوام» دراسة تلك الأشياء ووضع الحلول العملية لها أم هم مثلنا يودعون الموسم ومشاكله ومتاعبه ثم يبدأون في الاستراحة التي قد تطول بهم إلى الموسم القادم.
مشكلة الرد الواحد إلى عرفات هل درس دراسة مستوفية مع جميع المسئولين عنه من شركات النقل وإدارة الحج والمطوفين ورجال المرور وانتهي القرار إلى أنه هو الحل الوحيد لزحمة الحجاج أم أنه ما زال حلاً مؤقتاً في الإمكان العدول عنه إلى نطاق آخر يخفف من مشاكل السير أيام الحج ويجعله أيسر وأسهل؟!
من الناس من يرى أن نظام الرد الواحد هو الأصح ليظل سير السيارات في اتجاه واحد وللتخلص من بقاء الحجاج إلى مطلع الشمس في عرفات بسبب عدم عودة بعض السيارات لنقل الرد الثاني وأخال أن المطوفين ورجال المرور يؤيدون هذا الرأي وتعارضه شركات النقل لأنه يتطلب توفير عدد كبير من السيارات تضيق به السبل من ناحية ومن ناحية أخرى يرهق ميزانية الشركات وقد يصيبها بخسارة.
ونحن نحب أن نسأل محبذي الرد الواحد هل السيارات حقاً تسير في اتجاه واحد ولا ترجع ثانية؟! أم أنها تفرغ حمولتها ثم تعود للتكسب والتأجير بالطريقة المعروفة "رويكب"؟! وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا، بل أتعبنا هؤلاء الدافعين 35 ريالاً وحشرناهم داخل الأتوبيسات حشراً إذ أن الشركات تحت ضغط الرد الواحد تزيد حمولة كل سيارة عن المقرر ما بين خمسة وعشرة أشخاص.
ومن الناس من يرى استمرار العمل بالرد الواحد مع ترك الحرية للحجاج في استرجاع أجرة إركابه والتصعيد إلى عرفات كيفما شاء ماشياً أو راكباً للتنفيس عن الشركات والسماح للمطوفين بتدبير أمر نقل حجاجهم إلى عرفات بالصورة التي تكفل راحة حجاجهم وراحتهم.
ورأي ثالث يراه بعض الناس وهو أن نظام الردين إلى عرفات يحل المشكلة، فقط يحتاج إلى تنظيم دقيق فلا تسير إلى الحج إلا السيارات النظيفة السليمة بعد الكشف عليها قبل السير وأن يخطر السائق بأن أي عطل يصيب السيارة يكون هو المسئول عنه بعد أن يتسلم السيارة سليمة صالحة وأن تنشأ فرقة إسعاف مؤقتة في المرور بمكافأة على طول خط مكة عرفات مهمتها المبادرة بإزاحة أية سيارة تتعطل عن السير من الخط حالاً وتكلف نقابة السيارات بإنشاء فرقة مهندسين على حساب جميع الشركات يوزعون على خطوط سير يبدأون منذ مغرب يوم عرفة بالسير على دراجات مع قطع الغيار الإسعافية البسيطة وتكون مهمتهم إصلاح أية سيارة تتعطل في الخط بعد تنحيتها عن الخط لاسيما وإن أكثر السائقين الذين يعملون أيام الحج لا يعرفون شيئاً عن هندسة السيارات فمجرد حصول خلل بسيط في السيارة لا يستدعى أكثر من ربط سلك محلول تجد السائق إما واقفاً بجانبها دون أن يدرى ماذا يعمل أو محاولاً تغطية جهله أمام الركاب بإجراءات تزيد الطين بله وتضاعف من حالة الخلل أو تأتي بخلل جديد.
فإيجاد مهندسين متجولين على طول الخطوط يساعد كثيراً على تسهيل حركة المرور من ناحية ومن ناحية أخرى يوفر على الشركات كثيراً من الخسائر التي يلحقها جهل السائقين بالسيارات من جراء عبثهم بدون علم.
وفي اعتقادي أن الشركات سترحب بهذه الفكرة وهي لن تكلفها شيئاً يذكر بالنسبة لضمان سلامة سياراتها.
وفي اعتقادنا أن عقدة العقد في هذه المشكلة هي السيارات التي تتعطل وسط الخط فتتعطل وراءها مئات السيارات وطريق الحج قصير فهو لا يزيد على 25 كيلو متراً يمكن قطعها في نصف ساعة لو كان السير منظماً بينما تقطع الآن في أكثر من ست ساعات بالسيارة مع أن في الإمكان قطعها مشياً على الأقدام في أقل من ساعتين.
فلو استطعنا أن نتغلب على هذه العقدة فنحلها فإننا نستطيع أن نكلف السيارة بأكثر من أربع ردود لا رد واحد فقط.
إننا نقترح تطبيق نظام الردين هذا العام بدقة وشدة وفي العام القادم نظام الثلاث ردود وفي العام الذي يليه نظام الأربعة بشرط واحد هو منح المطوفين حرية نقل حجاجهم على سيارات الشركات أو استرجاع الأجرة ونقلهم على مسئوليتهم وإذا لم يكن من السهل منح جميع المطوفين هذه الحرية فلتكن محدودة بالمطوف الذي لا يزيد حجاجه عن ستين حاجاً فالمطوف قليل العدد يلاقى مشقة وعنتاً من نظام الردين ولا تكون السيارة تحت سلطانه ويكون له في الانضمام إلى مطوف آخر أو سحب الأجرة والسير بحجاجه حسبما يرى فيه المصلحة ركوباً أو مشياً.
إن إرغام الشركات بنظام الرد الواحد يدفعها إلى إخراج العاطل والفاسد من السيارات وتلقف السائقين مهما كانت درجتهم، فسيارة منهوكة زائد سائق جاهل = عطل ساري لا يقتصر على السيارة وسائقها وركابها ولكنه يسرى إلى جميع خط السير، ولا نظن هذا في صالح الحج ولا الحجاج.
وبعد... فإن هذه مشكلة واحدة من مشاكل الحج نضعها في وقت مبكر بين يدي المسئولين عن الحج والحجاج ونقترح عقد مؤتمر من مندوبين عن إدارة الحج ونقابة السيارات وهيئات الطوائف ورجال المرور لتبادل وجهات النظر على ضوء تجارب الأعوام الماضية ودراسة جميع ذلك من كافة النواحي والاحتمالات واتخاذ قرار بالأصلح والله الملهم للصواب.