الاثنين, 08 أغسطس 2011 22:48

صباح الخير

قييم هذا الموضوع
(0 تقيم)

«يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين».

ما قرأت هذه الآية أو سمعت مقرءاً يرددها إلا واستوقفتني طويلاً كلمة "فاسق" هذه ومدى ما تحمله من معانى.

إن كلمة فاسق نابية في السمع مرذولة في النفس ثقيلة في اللسان جاء بها الأسلوب القرآني في هذه السورة من صور الأمراض الاجتماعية لتكون بمثابة منبه أو موقظ للنفوس الغافية إلى هذا الخطر الداهم الذي يغشى المجتمع – أي مجتمع – فيفسده وتنقلب أوضاعه فيساء إلى المحسن ويحسن إلى المسئ، ويؤخذ بيد الظالم ويضرب على يدي المظلوم.

ليس هناك لفظ أبلغ من إطلاق " فاسق " على ذلك "المسخ" من بني الإنسان الذي لا هم له إلا الوشاية بهذا والإيقاع بذاك، وتلفيق الروايات عن فلان واختراع الأكاذيب عن علان.

يلقاك عند مصلحته باسم الثغر ناعم الكلام، وينسج لك من خياله ثوباً فضفاضاً من المديح والإطراء ويضفي من الفضائل والمحامد ما فيك وما ليس فيك.

فإذا انقضى الأمر.. أو خاب الرجاء فإن تلك البسمة تستحيل إلى تكشيرة ثعلبية، وثوب المديح العطر سرعان ما أصبح سربالاً من قطران والخيال الذي كان يستفاد منه في نسج الفضائل والمحامد أصبح أداة تعمل ليل نهار لنسج الأباطيل وخلق الأقاويل.

ليس هناك وصف أشنع لهذا الصنف من الناس من كلمة "فاسق" نقرع السمع فنوقظه وتهز النفس فننبهها وأي إنسان أجدر بهذا الوصف من ذاك الذي يوغر صدرك على أخيك ويخلق العداوات ويبث الحزازات وينشر الأحقاد وينفث السموم هنا وهناك فيتطاير شرر أعماله ليحرق الآخرين وهو يرقص على أشلاء الضحايا متلذذاً بما أتى من إجرام فرحاً بما توهم من نصر في مجال الشر والإيقاع.

يقولون في حكمنا العامية " فلان سباب الشيخين " ويعنون بذلك أنه مغرم بالسب فإذا لم يجد من يسبه سب نفسه أو استنزل سباب الناس عليه.

ويقولون أيضاً (من نقل إليك نقل عنك) ولكي تنجو من "سباب الشيخين" و "الناقل إليك" وكل مريض من هذا النوع ينبغي أن تكون يقظاً فطناً لا أقل ولا أكثر.

إن أعمال كل مرضى النفوس كسراب قد يخدع الناظر ولكن إلى أمد محدد بل قصير ولن أجد كلمة أبلغ ولا أوجز من كلمة القرآن: "فتبينوا" فذلك أسلم وأنجى، وهو خير وأبقى والعاقبة لمن أتقى.

معلومات أضافية

  • العــدد: 141
  • الزاوية: صباح الخير
  • تاريخ النشر: 15/1/1379ﻫ
  • الصحيفة: الندوة
الذهاب للأعلي