هذا ما يدور في خلد كل إنسان في هذا العالم على حد سواء ويشغل تفكيره رغم أن الجميع يكره الحرب ويعرف أهوالها ويستعيذ بالله من وقوعها لأن للحرب في هذا الزمن الأغبر زمن الأسلحة الفتاكة التي لا تبقي ولا تذر.. الأسلحة التي سوف تترك خلفها أثاراً دامية لعشرات السنين.
صدام حسين يدفع بعناده المجتمع الدولي إلي حافة الحرب مستعملاً كل وسائل الاستفزاز والإثارة غير مبال بنتائج هذا العناد وهذه الغطرسة على بلده وشعبه بل على نفسه التي ستكون أول ضحية.
والعالم كله يقف في الجانب الأخر يستعد ويموج ويتحرك في كل اتجاه لرد العدوان الذي شنه صدام حسين على الكويت والذي لن يكون آخر عدوان بل هو مجرد بالونه اختبار سيتبعه بعدوان وعدوان ثالث إذا نجح العدوان الأول وسكت العالم عليه وانتصر هو على المعارضين فالنصر يغري ويفتح الشهية لغزو آخر فمن يرد فرعون وقد قيل قديماً: قيل لفرعون لماذا تفرعنت؟! قال: لم أجد من يمنعني..
ولكن صدام سد أذنيه عن كل نصح ورفض كل عرض أو وساطة بتبجح وغرور وكأنه يقول: لقد استوليت على دولة الكويت ولا عدول عما حصل ودقوا رؤوسكم في الحائط.
وهو كلام جاهلي لا يقبل من أحد في القرن العشرين وقد انتهت عهود القرصنة والبلطجة والغزو القبلي وحل محلها عهد العهود والمواثيق والمنظمات وحقوق الإنسان بل الدول والشعوب في تقرير مصيرها فلا استعمار ولا احتلال ولا اتحاد بالقوة.
نعود إلي السؤال: حرب؟ أم لا حرب؟! والإجابة على هذا السؤال تتوقف على الإجابة على سؤال فرعي: هل يرضخ صدام حسين لحكم العقل والمنطق الذي تقتضيه القوانين والمواثيق الدولية والحقوق المشروعة للدول والشعوب والذي أيدته كل المنظمات الدولية والعربية والإسلامية والدول منفردة باستثناء شرذمة من الدول التي لا تعد في العير ولا في النفير؟!
أم يستمر راكباً رأسه متمادياً في عناده كما يفعل كل طاغية حتى يلقي مصيره فإذا كانت الأولي فإنه لا حرب بلا شك فليس في العالم الآن من يحب الحرب أو يسعي إليها حتى الأقوياء والعقلاء.. أما إن كانت الثانية فإن الحرب واقعة لا محالة ولو بعد حين فلا بد من نفاذ الصبر وضيق الصدر..وإذا كانت التنبؤات السياسية والحربية لا تبشر بإمكانية رجوع صدام حسين إلي الحق والإصغاء إلي النصح لتجنيب العالم ويلات حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر بسبب وهو أن الطغاة دائماً يعتنقون مذهب (عليّ وعلي أعدائي يا رب) وهو يعرف جيداً بل يؤمن إيماناً راسخاً أن خروجه من الكويت وإعادة الشرعية إليه بعد أن أوصل القضية إلي هذا الحد المرعب وكلف الحكومات والشعوب البلايين وأضر بالاقتصاد الدولي كل هذه الأضرار.. خروجه هذا ليس هو آخر المطاف ولم يعد هو المطلب الوحيد منه بل سوف تتبعه مطالب لتقليم أظافره ونزع السم من أسنانه وتعويضات ضخمة تقضم ظهره وتفقره لعدة سنوات، والحيلولة بينه وبين العودة إلي جريمته إذا هدأت الأحوال ووجد الفرصة.
وفي تقديري أنه رجل خبيث يعمد بوسائله الخاصة إلي تبريد القضية وإدخالها في ثلاجة المؤتمرات والمفاوضات سعياً وراء خلخلة الموقف الدولي وأحداث تصدع في جدارة بسبب الإرهاق والضجر وربما اليأس، وحينئذ ربما تميل الكفة لصالحه وتصبح قضية الكويت مثل قضية فلسطين- لا سمح الله – ويبدأ التفكير في خطوة أخري يبتلع بها جزء آخر من دول الخليج تماماً كما فعلت إسرائيل في فلسطين حيث بدأت بالنصف ثم ابتلعت النصف الآخر ثم راحت تمد رجلها إلي الدول المجاورة فالتهمت الجولان ثم جزءاً حدودياً من لبنان ولا تزال أحلامها واسعة ولعل صدام حسين من تلاميذ مدرسة إسرائيل مدرسة وايزمان وبن غريون وموشي ديان والعجوز الشمطاء غولدا مائير.
إن الصبر على عدوان صدام حسين أكثر مما مضي فيه خطر على تغيير ملامح دولة الكويت لصالح الغزاة فالتهجير لأبناء الكويت ودفعهم للخروج هرباً من الظلم والجوع والأذى مستمر إلي الآن وإحلال شعب أو شعوب أخرى في مساكنهم سوف يسهل على الغزاة تحقيق أهدافهم الشريرة في الكويت بعد تكوين شعب خليط يسكنه بدون ولاء ولا وطنية وهو نفس الأسلوب الذي سلكته إسرائيل ولا تزال تسلكه لتفريغ فلسطين من أهلها وإحلال شذاذ الأرض فيها.
فلنتنبه لهذا الأسلوب في المطل وإضاعة الوقت والتعلق بآمال الحل السلمي الذي لا نري له ملامح.
وفي رأيي أن صدام لن يخرج بالحسنى ولن يستجيب لأي نداء ولا يفل الحديد إلا الحديد ولن يخفف من ويلات الحرب الطويلة إلا حرب خاطفة والحديد حامي للقضاء على الطاغية في عقر داره وتخليص العالم من شروره لأن الصبر عليه يغريه بالتمادي في الطغيان والأحلام وقد يأتي مرور الزمن في صالحه ونندم ولآت ساعة مندم.
فلنستعن بالله والله مع الحق ومعنا.