كم كنا نأمل أن يصبح صدام حسين – ونحن نؤيده ونسانده – عملاقا يقف بجانب العملاقين الوحيدين ويستخلص منهم حق العرب والمسلمين في فلسطين ولكنه مع الأسف الشديد قد أعماه غروره وأضله هواه وهوى به ظلمه وجبروته إلى مكان سحيق فانمسخ قزماً تشمئز منه النفوس.
نعم كنا مخدوعين فيه وهو يردد شعارات العروبة والقضايا القومية وأخيرا ادعى أنه من حزب الله عند عقد المؤتمر الإسلامي في العراق في أوائل هذا العام الميلادي ولم يدر بخلدنا أنها شعارات للتضليل فقط حتى جاء غزوة للكويت فجيعة إنسانية بكل المقاييس ويتسم بكل المواصفات المرذولة كالنذالة والخداع والكذب والظلم وتشويه الحقائق والعناد ضد الحق.
فالنذالة تتجلى في غزوه الكويت بليل واستحلاله نهب الأموال وقتل الأبرياء.. وسرقة البنوك وتشريد الشعب، وأخيرا انتهاك الأعراض.
والخداع يظهر في إعلانه وتأكيده للكويت وخادم الحرمين الشريفين والرئيس حسني مبارك أنه لا يبيت عدوانا ولا ينوي حربا واستعداده للتفاوض والحل السلمي لكل خلاف وبقية الخصال كشفت عنها أحداث الاحتلال وما فعله بدولة الكويت ومن فيها من العرب والمسلمين وشاهدوه بأعينهم بعد أن قاسوا ما قاسوا من ويلات ومصائب يشيب لها الولدان من تشرد في الصحاري واقتحام للبيوت وموت للأطفال والشيوخ.
أما العناد والظلم فحدث عنهما ولا حرج فإنه لم تبق دولة في العالم إلا وأدانت احتلاله للكويت وطالبته بالخروج فورا وإعادة الشرعية إلى دولة ذات سيادة غزاها ليلا كما كانت قبائل الجاهلية تغزو بعضها للسلب والنهب.
ولم تبق منظمة في العالم إلا وشجبت جريمته وطالبت بخروجه من الكويت بصورة لا مثيل لها من قبل ولم تحظ بها أية قضية عدوان مماثلة الأمر الذي يدل على جسامة العدوان والإجماع على ضلاله وخطئه.
ولعل ثالثة الاثافي هذا التخبط الواضح في تبريراته للجريمة التي ارتكبها فأول تبرير قدمه هو أنه بناء على استغلال الكويت لبترول العراق أثناء انشغاله بحرب إيران – وهي دعوى ظاهرة البطلان – وأنه بسبب ذلك وقيام الكويت بتخفيض سعر بترولها فقد لحقته أضرار وخسائر يضاف إلى ذلك أنه بحربه مع إيران قد دافع عن الكويت والإمارات المتحدة ولذلك فإنه يطالب الكويت بإسقاط ديونها عليه ويطالب بالتعويض عن خسائره وكان ذلك مجرد تحرش وجر شكل ابتدائي وليس نهائيا يريد أن يجس النبض به، ولما لم تجبه الكويت إلى مطالبه التعسفية وتدخل المملكة العربية السعودية ومصر للوساطة وتسوية الأمر بالأساليب الودية خاف من فوات الفرصة على تهجمه على الكويت بليل ونهب البنوك والطائرات المدنية والسيارات وأرعب الكويتيين ليتركوا بلدهم ويتوهون في الصحاري.
ولما لم ينجح في تبريره هذا عربيا ولا دوليا جاء بمبرر من تخيلاته فأعلن أن المعارضة في الكويت استعانت به ليساعدها على التخلص من حكامها – هكذا ليساعدها لا ليحتلها – وأنه فعل ما فعل استجابة للكويتيين. وعندما بحث في الكويت عن المعارضة لم يجدها ولم يتعاون معه أي كويتي اضطر إلى تشكيل حكومة من ضباط عراقيين غير معروفين في الكويت فلم يتعاون معهم أحد ورفضهم الالتحاق بحكومته.
فطلع بدعوى جديدة أن هذه الحكومة الدمية قد تقدمت إليه وطلبت منه تحقيق وحدة اندماجية بين الكويت والعراق فأعلن الوحدة وعين رئيس الحكومة الكويتية المزعوم نائبا له في العراق.
ولم يصدق أحد هذا التخريف فلم يجد بدا من اختلاق دعوة جديدة أسماها الحق التاريخي زاعما أن الكويت هي أصلا جزء من العراق – ولم يقل متى كانت كذلك؟ وما هو الدليل؟ فأعلن أن الكويت أصبحت هي المحافظة التاسعة عشرة من محافظات العراق ولا توجد دولة اسمها الكويت واعتبر ذلك آخر المطاف وصور له خياله المريض أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد ولكن الأمر غير ذلك فالعالم لن يقر مثل هذا العدوان الغاشم وستعود الكويت إلى أهلها بإذن الله.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.