الأحاديث حول نظام التقاعد والهواجس التي تدور في صدور الموظفين – وأعني موظفي الدولة – أصبحت مثيرة للقلق والتفكير في بحث عن مخرج من هذا النظام الذي أصبح من الواضح أن فيه شيئا من الغبن للموظف المخلص المتفاني في خدمة بلاده وحكومته المصر على الاستمرار في الوظيفية الحكومية رغم المغريات والرواتب الضخمة التي تعرض عليه في المؤسسات والشركات الأمر الذي قسم موظفي الدولة إلى ثلاث فرق.
الفريق الأول رأى العاجلة فأغرته وفكر في الآجلة فوجدها غير مضمونة لمجرد حرمان أبنائه من تقاعده وبمجرد بلوغهم الثانية والعشرين ولو كانوا طلابا في المدارس وبناته لمجرد زواجهن ولن يبقى لأرملته إلا الفتات الذي يصنفها في عداد المساكين.. هذا إن لم تسبقه إلى الدار الآخرة ولا يكن هناك آجلة. فاختار العاجلة وترك الوظيفة إلى غيرها..
وفريق ثان رأى الشيء ولكن تفكيره هداه إلى الإهمال والتقصير واللامبالاة حنقاً من وضعه الحالي وبأسا من وضع أولاده بعد حياته فآثر الاحتفاظ بالوظيفة وأكل الراتب مروراً بالمثل العامي "على قد زيته سرج له" وهذا الفريق في الواقع يسئ إلى المصالح الحكومية.
أما الفريق الثالث فهو الفريق الصابر المؤمن الذي يرى أن من أخذ الأجرة حاسبه الله على العمل وظل مستمرا في أداء عمله أملا في الدولة أن تعيد النظر في نظام التقاعد بما يكفل لأسرته حياة كريمة بعد وفاته فهذا ما يسعى له كل زوج وكل أب..
هذه أحاديث المجالس رددتها بعض الصحف، فقد نشرت "الجزيرة" الغراء عدة كلمات للأستاذ عبد العزيز العوشن ونشرت بعض الصحف الأخرى كلمات في نفس الموضوع ونشرت جريدة الندوة كلمة لي أيضا أشرت فيها إلى المصير الذي يلقاه بعض ورثة الموظفين المتوفين عندما يصبح مورد معاشهم الوحيد هو تقاعد مورثهم وضربت المثل بقصة موظف توفي وهو في مرتبة مدير عام أي أن ورثته كانوا يعيشون عيشة كريمة وأن تقاعد زوجته الآن أصبح لا يكفي لسداد فاتورة الهاتف وحرم الابن من التقاعد لأنه بلغ الثانية والعشرين رغم أنه ما يزال طالبا..
ولقد تلقيت عقب كلمتي هذه سيلا من التعقيبات الهاتفية والشفوية لشكاوي مماثلة من هذا النظام وبث لهموم الكثير من الموظفين على مصير أسرهم من بعدهم إذا استمر هذا النظام.
ولقد تردد عندنا منذ ثلاث سنوات وأشيع أن تعديلات ستطرأ على نظام التقاعد لتحسين أوضاع المتقاعدين بتحويل من يحرم من التقاعد بالوظيفة من الأولاد أو الزوج من النساء إلى بقية الورثة ولكن شيئا من ذلك لم يتحقق حتى الآن.
ونحن – وإن لم نكن من المتقاعدين – فإننا نحمل آمالهم الكبيرة في عهد – الفهد – الزاهر، عهد التكريم، عهد المحبة.. عهد الاهتمام بالمواطن وطموحاته وتطلعاته والتفريج عن همومه وذكرياته نحملها إلى صاحب العهد جلالة الملك فهد لتكون هديته الكبرى لا إلى موظفي حكومته فحسب ولكن إلى هذه الأجيال من أبنائهم وزوجاتهم ليطمئن كل موظف وهو يودع هذه الدنيا – بعد عمر طويل – إلى أنه ترك أولاده وزوجته في رعاية الله ثم رعاية حكومة ونظام الفهد الجديد، وفقه الله..