يتصنع كثير من الصائمين عبوساً؛ وتقطيباً وسرعة انفعال، ظناً منهم أن هذه الوسيلة المثلى لإقامة الدليل على صيامهم فإذا تكلم الأولاد أو لعبوا "شخط" فيهم وصرخ في وجوههم وأمطرهم وابلاً من السباب والشتائم، وإذا قصر الخادم في عمل أو أساء فهم بعض الأوامر انهال عليه ضرباً وركلاً، وإذا جادله بائع أو مشترى ثار في وجه وأشتبك معه في خصام قد يتطور أحياناً إلى قتال وهو في كل أعماله هذه يلتمس لنفسه العذر من صيامه وكأن الصائم في نظره ذاهب العقل أو أن الصوم معناه الغضب والثورة لأتفه الأسباب. أما الواقع فإن الصوم إنما هو وسيلة من وسائل ترويض النفس على الصبر على الأذى، وتعلم الحلم وتسكين النفس، وقمع الشهوات، واجتناب الرذائل، والابتعاد عن الشر حتى لقد أوجب الشارع على الصائم إذا شاتمه إنسان أو قاتله ألا يقابله بالمثل بل يعرض عنه في هدوء ورزانة قائلاً أنى صائم... أنى صائم. وهناك نوع آخر من الصائمين – وما هم بصائمين - يقضون يومهم - ليله ونهاره - وليس لهم من شغل شاغل إلا القيل والقال؛ ونهش الأعراض والخوض فيما لا يعنيهم من أمور الناس. وهذان النوعان من الصائمين، ليس لهم من صيامهم إلا الجوع والعطش إذ أنهم بهذا العمل أصبحوا مصدر إيذاء وأضرار للآخرين، فأولك يؤذون الناس بحمقهم وغضبهم وهؤلاء يؤذون الناس بالغيبة والسعي بالنميمة. فحذار أيها القارئ أن تكون من أولئك أو هؤلاء، وإملأ يقظتك بقراءة القرآن وذكر الله والعمل النافع؛ وليكن لك من التفكير في عيوبك ومساوئك ومن ذكر الله ما يصرفك عن ذكر خلقه ومن سكون النفس، ولين الجانب؛ ودماثة الخلق ما يغنيك عن العبوس والتقطيب، فالمؤمن هين ولين، سمح إذا باع، سمح إذا اشترى، وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً.