العاصمة العلمية كما يطلق عليها في المغرب الشقيق والبعض يسميها عاصمة الفكر هي مدينة فاس وقد عرفت مؤخرا باسم مدينة المؤتمرات حيث عقد فيها مؤتمر القمة العربي الثاني عشر الذي أطلق عليه قمة فاس والذي وضعت فيه خطة السلام العربية الأخيرة..
هذه المدينة الغنية بالتراث الإسلامي هي أقدم مدينة مغربية وعن طريقها دخل الإسلام إلي المغرب ثم شع في باقي المغرب الأقصي حينما وصل السيد إدريس بن عبدالله من ذرية على بن أبي طالب كرم الله وجهه في سنة 172 هجرية إلي منطقة درهون وباشر إقناع قبائل البلاد بالدخول في الإسلام والدعوة إليه وبعد وفاته أخذ مكانه ابنه إدريس الثاني الذي قرر سنة 190 تأسيس مدينة فاس كعاصمة لملكه بعد أن ولاه سلطان المغرب عليهم ملكا.
أسس إدريس الثاني مدينة فاس على ضفتي وادي فاس الخصيب وأطلق على الضفة اليمني عدوة الأندلسيين وعلى الشطر الأيسر عدوة القرويين ونشر فيها العلم والحضارة والإسلام حتى توفاه الله سنة 228 ولم يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره وقد بلغت فاس من الحضارة والرقي درجة عليا.وفي عهد ابنه يحي بن إدريس شيدت جامعة القروين المشهورة التي تعتبر من أولي الجامعات في العالم.
وفي عهد السلطان الكبير يوسف بن تاشفين أول ملوك دولة المرابطين تم توحيد شطري المدينة وعرفت المدينة في عهده إشعاعا فكريا وفنيا وحضاريا كبيراً.
وفي عهد الموحدين نقلت العاصمة إلي مراكش فترة من الزمن ثم عادت لتكون العاصمة الإدارية لدولة المدينين وأخذت دورها في الرقي والعظمة ولا تزال فاس تنقسم إلي قسمين فاس العتيقة ويحرص الفاسيون على الاحتفاظ بها وبمبانيها وآثارها ومنها مباني جامعة القرويين والقصر الملكي الحالي وسورها المحيط بها وشوارعها الضيقة التي لا تدخلها السيارات مطلقا ووسيلة المواصلات داخلها هي الحيوانات والدراجات فقط ويجرون صيانة مبانيها باستمرار ويكتظ فيها السكان اكتظاظا كبيرا ولها شوارعها ومتاجرها وكامل خدماتها.وتحتفظ فاس العتيقة بكل آثارها التاريخية ولا يسع زائر هذه المدينة والمتجول فيها إلا أن يبدي إعجابه الكبير بقدرة أهل فاس على الاحتفاظ بآثارهم الإسلامية منذ القرون الأولي ويوالون صيانتها من الفناء.
وهنا عندي جملة معترضة -على حد تعبير أستاذي الفاضل الشيخ على الطنطاوي- وهي أسفي لما عملته أيدي رؤساء البلديات في المدينتين المقدستين عندنا مكة المكرمة والمدينة المنورة وما تزال لإزالة آثار هاتين المدينتين ومسحها بدون هوادة ودون أي تفكير في الحفاظ على نماذج أو جزء بسيط من مكة المكرمة والمدينة المنورة كتراث حضاري وجزء من تاريخنا يجب الاحتفاظ به وإن كنت أحمد لجلالة الملك فيصل-رحمه الله-رفضه لاقتراح دعي إلي هدم مبني المسجد الحرام القديم وإعادة بنائه كالقسم الجديد وأمره بإحضار مهندسين عالميين مسلمين لوضع المخططات وربط البنائين القديم بالجديد مع عدم المس بالقديم بل صيانته وتقويته وتم ذلك فعلا وأصبح المسجد الحرام أية من الفن المعماري قديمه وحديثه أسال الله أن يجزيه عن ذلك أفضل الجزاء وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز للعمل على الحفاظ بما تبقي من آثار مكة المكرمة والمدينة المنورة وعدم الالتفات إلي أفكار التوسعات من أجل السيارات واقف هنا لأواصل الحديث عن مدينة فاس وما رأيت في فاس وما سمعت إلي الكلمة القادمة.