من أبلغ الأدلة على فحولة شاعرية المتنبي هذا البيت من الشعر الذي ما زال يتردد على الأقلام والألسنة في كل عيد دون أن يمج أو يحس الإنسان أنه مكرر معاد بل لا يجد المرء بيتا يمكن أن يردده – بهذه العذوبة والأسى في وقت واحد – في هذه المناسبة أفضل منه .. هذا البيت هو:
عيد بأية حال عدت يا عيد \ بما مضى أم لأمر فيك تجديد
وكأنما الزمن قد إستدار وعاد المسلمون – وخاصة العرب – للتفرق والتمزق والدويلات والحروب فيما بينهم لحساب الصليبية وأعداء العروبة والإسلام.
وإلا فما معنى هذه الحرب في لبنان؟! أليس السنة والشيعة والدروز والمارونيون كلهم عرب ولبنانيون أيضا؟! وعلام يتحاربون؟! وفيم يقتل اللبناني أخيه اللبناني ويسفك دمه ويدمر بيته ويشرد أطفاله ويرمل نساءه؟! أليس كل هذا من أجل السلطان والإستئثار بالسلطة وخيرات البلد؟!
هل صحيح ما يزعمه الزعماء –قاتلهم الله– أن السني اللبناني عدو للماروني اللبناني أو أن الدرزي اللبناني خصم لدود للمسيحي أم أن الشيعي اللبناني يكره السني اللبناني؟! إنها فرية إختلقها الزعماء للتسلط وتثبيت زعامتهم فقد شاهدنا بأعيننا ذلك التعايش السلمي والتآخي والتوادد الذي عاشه لبنان ردحاً من الزمن وبلغ بسببه لبنان القمة في الاقتصاد والعمران والمعيشة والإزدهار.
ونرى الآن بعيوننا الدامعة وقلوبنا الحزينة ماذا فعلت الزعامات وهي تتكالب على الزعامة وكيف قادت هذا الشعب بجميع طوائفه إلى التهلكة والدمار.
ومثل ذلك ما نراه في أفغانستان وإيران وفلسطين.. أفغانستان التي ألقى بها متزعموها في فم الدب الروسي، وإيران التي قادها زعيمها الأوحد إلى هذه الحرب المدمرة.. هذه الحرب الباغية الرافضة لصوت الحق والعدل.
وفلسطين التي قتل على يد أبنائها وإخوانهم من العرب أكثر مما قتل على يد إسرائيل والتي ما زال زعماؤها يتصارعون على السلطة حتى شغلوا بأنفسهم وراح بعضهم يقتل بعضاً تاركين إسرائيل تسرح وتمرح على أرضهم وتجني ثمارها وتطرد البقية الباقية منهم لتأتي بشذاذ الأرض لتسكنهم في مكانهم.
ألا يشعر معي القارئ أن العروبة والإسلام تعيشان الآن عصر «هولاكو» الذي غزا ديار الإسلام وأرض العروبة وسفك الدماء وأزهق الأرواح ودمر الحضارة؟!
الفرق بسيط هو أن "هولاكو" القديم فعل ذلك بنفسه وقواده ورجاله فخسر الكثير منهم وضحى بهم في سبيل تحقيق أطماعه.
أما «هولاكو الجديد» فإنه يتربع على سلطته في الشرق وفي الغرب ويكتفي بالتحريض وبث الفتنة والدس ويقدم وسائل الدمار ويقبض ثمنها ويترك العرب والمسلمين يتصارعون كما تتصارع الديكة ويدمي بعضهم بعضاً ويخربون بيوتهم بأيديهم وهو يتفرج ويردد "أيكم الغالب فأنا الرابح" قياساً على قوله الخليفة الإسلامي الذي قال عندما رأى سحابة تمر "أمطري حيث شئت فخراجك لي" وشتان بين القولتين: قولة الحمد والخير والحق وقولة الحقد وزرع الفتنة ونشر الدمار والخراب.
فهل يتنبه القادة العرب والمسلمون إلى ما يحاك حولهم ويدبر لهم ؟! أن يظلون سادرين في مطامع الزعامة والتسلط وعلى ديارهم وشعوبهم العفاء؟!
إن "هولاكو القديم" وأمثاله من الطغاة المستبدين ذهبوا إلى الجحيم وبقي الإسلام والعروبة وسيذهب «هولاكو الجديد» وأذنابه وحملة عرشه إلى سقر وبئس المصير وسيظل الإسلام والعروبة باقيان ما دامت السموات والأرض وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
وأختم كلمتي هذه في أيام العيد.. كلمتي الحزينة على أخوة لنا وأخوات في إيران وأفغانستان ولبنان وفلسطين قد فرفهم تفرقنا وشتت شملهم أدعاؤنا وساهم في ذلك المندسون بين الصفوف.
أختمها بهذين البيتين الحزينين من شعر المتنبي رغم مضي أكثر من ألف عام عليها وترديدها دون أن تفقد نبضها أو أحاسيسها.
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر فيك .. تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيداء دونها بيد