السبت, 13 أغسطس 2011 14:53

الأستاذ عزيز ضياء وأنا

قييم هذا الموضوع
(0 تقيم)

سامح الله أخي الأستاذ عزيز ضياء عندما حاول أن يقارب بين أفكاري الآن عن عمل المرأة وأفكار الكاتب الإسلامي مصطفى صادق الرافعي قبل ستين أو سبعين سنة. فأنا لم أقل بمثل ما قال الأستاذ الرافعي «لنا علوم ولها غيرها، فعلموها كيف نشر الغسيل»، لأننا فعلا تجاوزنا ذلك الزمن وأصبحت المرأة عندنا طبيبة ومدرسة وموظفة وعاملة في كل مجال ولكن في إطار يحمى أخلاقها ويصون كرامتها وشرفها.

ولعل أخي الأستاذ عزيز ضياء لم يقرأ سلسلة من الكلمات لي ما تزال تنشر تباعاً في صحيفة الندوة الغراء. عن عمل المرأة – كانت عكاظ مع الأسف اعتذرت عن نشرها لأنها كما يبدو مع الأستاذ ضياء في وجهة نظره – ولو أنه قرأها لعرف أنني لا أدعو إلى أفكار الأستاذ الرافعي التي تجاوزت زمنها وأدرك حقيقة ما أدعو إليه والذي أوجزه في النقاط التالية:

1)      إن تعليم المرأة يجب أن يكون غاية لرفع مستواها العقلي والثقافي لتكون في مستوى الرجل تماما وليس وسيلة للوظيفة والعمل فحسب.

2)      إن عمل المرأة يجب أن يظل بعيداً عن الإختلاط وأبوابه ووسائله فالاختلاط شر مستطير، رأينا  منه في غير بلادنا ما ينبغي أن يكون لنا فيه عظة وعبرة.

3)      إن نظام الإسلام الذي يحكم حياتنا قسم العمل في الحياة بين الرجل والمرأة على أعلي درجات العدل والسلامة لتحقيق حياة سعيدة متناسقة: وظيفة الرجل أن يسعي في مناكبها لضمان تكاليف الحياة ووظيفتها رعاية الأسرة وتربية الأولاد وإدارة البيت لا مانع من التعاون وتبادل الوظائف بشرط عدم الإخلال بعمله الأساسي أو العكس أصبح ذلك غير جائز وغير معقول.

4)      إن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه والإختلاط والفساد والانهيار الخلقي الذي نراه في المجتمعات الأخرى التي سبقتنا بالدعوة إلي إخراج المرأة ودفعها للعمل بنفس الحجج التي يتخذها دعاتنا الآن بدأت بنفس الأسلوب والتدرج وفي ذلك يقول أستاذنا الشيخ على الطنطاوي عن بداية تعليم البنات في الشام "أتدرون كيف كان الامتحان؟ كان الفاحصون من الرجال.. إذ لم يكن بالشام من المتعلمات من يمتحن الطالبات يضعون ستارة قعدت وراءها التلميذة ومعلمتها وأمامها لجنة الامتحان".

إلي أن يقول "ثم أخذ الطريق ينحدر، والمصائب تتوالي والمدارس التي أنشئت لحفظ البنات وتثقيفهن وكانت عنايتها برؤسهن تملؤها بحقائق العلم وبقلوبهن تملؤها بالفضائل والإيمان صارت عنايتها بأجساد الطالبات وبعد أن كانت مدارس البنات لا يدخلها معلم ولا فراش إلا إن كــان شيخاً كبيراً صار معلموها من الشباب العزاب المتأنقين الحاسرين".

ولو رجعنا إلي تاريخ وتطور السفور الذي بدأ يدعو إليه قاسم أمين وهدى هانم شعراوي كسفور شرعي معقول لا يكشف إلا عن الوجه والكفين وكيف أصبح الآن كشفاً عن الصدور والنحور بل ما هو أسوأ من الصدور والنحور لأدركنا خطورة التساهل في الاختلاط  والاقتراب من موارده بالطرق التي يدعو الأستاذ عزيز ضياء وأنصار فكرته بتشغيل المرأة في أعمال الرجل ونفس دوائر الرجال ولكن بعزلهن في مكان خاص ولا ندري كيف يعزلهن في مكان خاص ولا ندرى كيف سيكون إتصال المدير بهن والموظفين المتعاملين معهن والفراشين والمراسلين.

5)      إن حياة المرأة الذي يجب أن يكون سياجها الذي يحميها من نزوات الرجال الأجانب سياج رهيف سرعان ما يذوب وينقشع بالحديث مع الرجل وتبادل الكلام معه ثم يتحول إلي رفع الكلفة ثم ينحدر إلي التساهل في الحجاب.

وما أدري هلى يشاركنى الأستاذ ضياء الرأى فى عذوبة صوت المرأة ورقة كلامها –حتى ولو كانت غير جميلة- وضعف الرجل أمام ذلك، ولا أقول هياجه؟!

وما أدري أيضاً هل لاحظ الأستاذ ضياء معي مناظر بعض الرجال عند لقاء المرأة في الاجتماعات والنوادي والطائرات والمستشفيات وكيف تفصح عيونهم عما يختلج في نفوسهم وكيف يتزاحمون أحيانا وينظرون ويحسنون ربطة العنق ويضبطون الشعور أو العقال.

6)      إن كل ما يقال عن إمكانية فصل النساء عن الرجال في الوظائف الرجالية مجرد كلام لن يستمر طويلاً وهو في نظري على الأقل – ورزقي على الله- مدخل إلي كل ما وقع لغيرنا وكل رجائي ألا نبدأ من حيث بدءوا وننتهي إلي حيث انتهوا ثم نندم ولات ساعة ندم.

وحسب المرأة عندنا ما حصلت عليه من حقوق في المساواة والعمل والكرامة والإعزاز في حدود الأخلاق والقيم وتعاليم الدين.

7)      إطلاق النصف العاطل في المجتمع على المرأة وفكرة إحلال المرأة السعودية محل الرجل الأجنبي خرافتان كبيرتان وحجتان، داحضتان فالمرأة-كما أسلفت– تقوم في المجتمع بدور أهم من دور الرجل وتؤدي رسالة لا يستطيع الرجل أن يؤديها وما أريد أن أسوق ما قاله في ذلك الحكماء، والشعراء وسيد الأنبياء في هذا الموضوع لأنه معروف فهي ليست عاطلة كما يقولون .

أما خرافة الإحلال فإننا مقبلون على تشبع وظيفي بدأنا فيه فعلا إلي إحلال الرجل السعودي مكان الرجل المتعاقد وسيأتي اليوم الذي نضطر فيه للبحث عن عمل للرجل السعودي وقد بدأت بعض المؤسسات الكبرى عندنا تسرح المئات من الموظفين في نطاق ضغط المصروفات فكيف سيكون الموقف؟ ومن الأولي بالعمل خارج البيت المرأة أم الرجل؟ وهل نستطيع يومها إعادة العفريت إلي القمقم أو نقع في حيص بيص ويستثوق الجمل ويجلس الرجل في البيت يهيئ الرضعة للطفل وينظف ويكنس وليسمح أخي الأستاذ عزيز ضياء أن استعير عبارة صغيرة من كلمة يوم السبت 7 شعبان بعكاظ وهي "لا حاجة بنا إلي تجاهل حقيقة أن أعداداً كبيرة من أبنائنا خريجي الجامعات وحملة المؤهلات في مختلف مناطق المملكة محتاجون للعمل" وعبارة مماثلة في مقالة الأستاذ رضا لاري بمجلة اقرأ 5/8/1405  "لا أظن أحداً ينكر اليوم أن هناك خريجين من الجامعات يبحثون عن عمل" فهل يصح بعد هذا الكلام أن ندعي أننا في حاجة إلي عمل المرأة" ؟ أليس الأولي بالتشغيل هؤلاء العاطلون من الشباب؟!

ثالثة الحجج وهي حجة إستقبال المراجعات من أصحاب المعاملات وتوظيف النساء لمقابلة النساء وأن أتساءل كم عدد النساء المراجعات بأنفسهن لعدم وجود رجال يراجعن عنهن؟ وكم عدد الشابات منهن؟ وفي إعتقادي أن أكثرهن من القواعد اللواتي لا يرجُون ولا يرجَون – بضم الجيم في الأولي وفتحتها في الثانية.

وما أهمية تخصيص نساء لاستقبالهن وهن غير قادرات على قضاء أي عمل لهن غير  أن يكن واسطات للسؤال والجواب؟ وكيف ستكون هذه الوساطة؟ أليست مرحلة أولي في الاختلاط والاحتكاك؟

هل تقنع أية إمرأة  بجواب إمرأة موظفة بسيطة مثلها لا تحل ولا تربط أو تصر على مقابلة الرئيس نفسه لتسمع الجواب منه رأساً.

إن شعبنا بالذات لا يقنع بكلام أي موظف ويصر على مقابلة الملك نفسه والأمير شخصياً ليسلم شكواه في يده وكذلك بالنسبة للوزير والرئيس والأمين لأن الأبواب عندنا مفتوحة فهل ستقنع المرأة صاحبة المعاملة أو القضية بإفادة الكاتبة أو الموظفة أم ستصر على مقابلة الرأس وسماع الإجابة منه

إذا فرضنا أن القسم النسوي في أمانة العاصمة مثلا استقبل طلبات ومراجعات النساء كيف ستدفع المرأة رسم الكشفية ومن يراجع المهندس الذي سيعطيها الموعد للخروج معها ومن يأتي ليأخذ المهندس للوقوف على الأرض؟ أم لابد من إنشاء أمانة مستقلة بحساباتها وصندوقها ومهندسيها ومثل ذلك في كل وزارة ومصلحة إذا كانت القضية بين أفراد من الجنسين أي الأمانتين تكون صاحبة الاختصاص الأمانة النسوية أو الأمانة الرجالي.

وما هو المانع الشرعي أو الأخلاقي الذي يمنع المرأة من مراجعة الموظف الرجل في حدود الأخلاق والأدب؟ وكيف تقف المرأة وتتعامل مع الرجال في الشوارع والأسواق؟

إما أننا ندخل أنفسنا في متاهات لا أول لها ولا آخر لا لشيء إلا لإيجاد أعمال النساء عندنا ولولم تكن لنا حاجة إلي ذلك فهو أمر لا مبرر له.

وأختتم كلمتي هذه بعبارتين جديدتين صادرتين عن تجربة من إمرأة: كلمة للكاتبة الفرنسية مريم هاري موجهة إلي النساء المسلمات تقول فيها "يا أخواتي العزيزات لا تحسدن الأوربيات ولا تقتدين بنا.. إنني لا أقول لكن إلي الحريم ولكن أقول إلي البيت.. إلي البيت.. ونداء في مجلة ماري كلير الباريسية يقول"مللنا المساواة مع الرجال.. مللنا حالة التوتر الدائم. مللنا الاستيقاظ عند الفجر للجري وراء المترو مللنا الحياة الزوجية التي لا يري فيها الزوج زوجته إلا عند النوم، مللنا الحياة العائلية التي لا تري فيها الأم أطفالها حول المائدة.. وداعا يا عصر الحرية والمساواة وأهلا بعصر الحريم".. التوقيع "مليونان ونصف مليون امرأة فرنسية".

أفلا يري أخي الأستاذ عزيز أننا بدأنا الخطوة الأولي في هذا الطريق وإننا حتماً واصلون إلي النهاية لأن كل من سار على الدرب وصل كما يقولون وسترتفع أصوات نسائنا بمثل هذا النداء.

وإذا كان الله قد وهبنا إمرأة عاقلة مدركة للأمور تخشي العواقب وتنظر إلي البعيد فلماذا نحاول نحن الرجال الزج بها في هذه المتاهات التي وقع فيها غيرها ونخرب بيوتنا بأيدينا؟ ولماذا يأتي النداء بهذا الزج من الرجال وحدهم؟ ولماذا لم نسمع هذا الصراخ وهذه الأفكار منهن؟ أليس فيهن كاتبات ومثقفات ومفكرات وقادرات على التعبير عن مطالبهن؟ أنا شخصياً اعتقد أنهن موجودات ولكنهن عاقلات ومقدرات للنتائج.

وأخيرا أرجو من أخي الأستاذ عزيز ضياء أن تسمح ظروفه بقراءة ما ينشر لي تباعا هذه الأيام كل يوم أثنين بجريدة الندوة عن عمل المرأة وكيف يجب أن يكون بصورة أوسع لأن عكاظ لن تسمح لي بالتوسع ومن يدري فقد لا ينشر هذا الكلام الموجز.

معلومات أضافية

  • العــدد: 6903
  • الزاوية: كل يوم إثنين
  • تاريخ النشر:
  • الصحيفة: الندوة
الذهاب للأعلي