أجل نجح المرور في الحج ولكن كيف نجح؟! وما هي معايير النجاح في الحياة؟! إن النجاح في الحياة هو صورة من صور الكسب وينبغي أن يقاس النجاح على الوسيلة فإذا كسب الإنسان أو نجح بالتطبيق والقوة أو على حساب الإضرار بالآخرين فإن هذا النجاح لا اعتبار له وإنما النجاح الذي يكون موقع الفخر والاعتزاز هو النجاح الذي يأتي حصادا للجهد والعرق والمعاناة الشخصية وليس معاناة الآخرين.
كما أن لكل فعل رد فعل فهل فكر أصحاب الاقتراح ومؤيدوه في رد الفعل وحسبوا حسناته؟!
نقول هذا الكلام ولا نعني به لوم المسئولين عن المرور وحدهم فهم اقترحوا اجتهادا وشكلت اللجان لدراسة اقتراحاتهم فأجازتها واستساغتها فهذه اللجان في رأينا هي المسئولة في الدرجة الأولى لأن كثيرا من الاقتراحات تبدو براقة وسهلة ولكن التنفيذ هو الكئيب وهو العسير وهو الذي تنشأ عنه الأضرار.
إن الحجاج هم ضيوف الله بلا شك ثم ضيوفنا ومن حقهم علينا أن نيسر لهم كل الوسائل المريحة ولكن لا يجوز في غمرة الحماس أن ننسى أنفسنا وننسى بعض الحجاج أيضا.
ما ذنب أهل مكة المكرمة وسكانها المقيمين بها سواء كانوا سعوديين أو غير سعوديين وخاصة من كانت مساكنهم خارج نطاق مساكن الحجاج أن يظلوا حبيسين لبيوتهم منذ اليوم السادس من ذي الحجة حتى الرابع عشر منه؟!
هل يستطيع النقل الجماعي الذي اعتمدت عليه الخطة أن يحقق كل غرض للمواطنين؟! وهل غطى النقل جميع الشوارع العامة والفرعية والحواري؟! وهل يمكن أن يستفيد منه الشيوخ والمسنون والعاجزون عن المشي الطويل؟! وماذا يعمل من يشتري حاجات من الحلقات أو داخل الشوارع؟! هل يحمل كل ذلك على رأسه ليخرج به إلى الشوارع العامة في انتظار سيارات النقل الجماعي التي لا يعلم إلا الله متى تصل؟! وهل فيها مكان له ولمشترياته؟!
والمريض كيف ينتقل إلى المستشفى؟! القادم من خارج مكة المكرمة وهو يعلم أن سيارته ممنوعة من الدخول إليها يتحمل قسطاً من مسئولية متاعبه إذا منع عن الدخول بسيارته وإن كان المفروض علينا أن نؤمن له وسيلة النقل السريعة المريحة من منطقة الحجز إلى مسكنه وليس إلى الشارع فقط وأعني أن ينتقل ركاب السيارات الصغيرة على سيارات مثلها توصلهم إلى مساكنهم وركاب السيارات الكبيرة على سيارات مماثلة لتوصلهم إلى منازلهم وليس إلى المحطات العامة ومحطات الشوارع أو يظلوا تحت وهج الشمس في انتظار سيارات النقل الجماعي التي تقذف بهم مرة أخرى في الشوارع بأمتعتهم وأطفالهم ومرضاهم وشيوخهم وعاجزيهم.
لقد رأيت بعيني منظرا يقطر لهم القلب.. إمرأة وحولها أطفالها تبكي وزوجها المغمى عليه من الإرهاق والتعب والحر بعد أن أنزلتهم سيارة النقل الجماعي بالشارع ولا تدري ماذا تعمل وسمعت مثل هذه المأساة الكثير ممن رواها لي الغير وخاصة في المحطات.
أما ما يعتذر به مسئول النقل الجماعي الذي صرح للزميل الأستاذ محمد أحمد حساني بأن الشركة لم تتعهد رسميا أمام الأجهزة المختصة في الدولة بأن تتولى عملية النقل في مكة المكرمة والمشاعر خلال فترة المنع – ونعني منع السيارات الصغيرة من دخول مكة المكرمة والمشاعر – مائة في المائة ولا خمسين في المائة فإننا لا ندري علام اعتمد المرور في اقتراحه منع السيارات من الدخول قبل تأمين البديل؟!
كما أن تفريغ حجاج السيارات القادمة من غير مكة المكرمة ينبغي أن يسبقه بناء محطات كبرى عند كل مدخل مهيأة ومزودة بكل الوسائل للانتقال من سياراتهم إلى السيارات المحلية التي سوف تنقلهم إلى مساكنهم.
ومن ثمة فإننا نرى قرار منع دخول السيارات الصغيرة إلى مكة المكرمة والمشاعر صحبه كثير من الاستعجال إذ كان ينبغي أن يسبقه إيجاد المحطات اللائقة وتأمين البديل وكلاهما لم يتحقق فعسى أن يراعي ذلك في العام القادم لئلا تتكرر مآسي هذا العام والله من وراء القصد.