تعود الكثير من المسلمين في مختلف أصقاع الأرض أن يتحينوا شهر رجب كل عام لما امتاز به هذا الشهر الحرام عن بعض الشهور فهو من الأشهر الحرم – كما أسلفنا – وهو الشهر الذي أسرى فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى وعرج به منه إلى السماء وتلقى فيه فريضة الصلاة – كما جاء في إحدى الروايات - وهو الشهر الذي غزا فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام عددا من الغزوات المظفرة في تاريخ الإسلام وهو الشهر الذي صدر فيه الإذن للمسلمين المضطهدين بمكة المكرمة بالهجرة إلى الحبشة فراراً بدينهم من أذى قريش.
أجل تعودوا أن يتعرضوا فيه لنفحات الله فيعتمر البعض فيه ويصوم البعض فيه ويشد فريق ثالث الرحال لزيارة المسج النبوي ويكثر قوم فيه الصلاة والذكر ولم ينكر أحد عليهم ذلك من أئمة المسلمين طيلة قرون إذ أنه ليس فيما يأتون من هذه الأعمال الحسنة منكر أو ضلال أو فساد بيد أننا فوجئنا هذا العام بعدد من الخطباء في المساجد ينبري للتحامل على من يأتي هذه الأعمال وتسفيه أحلامهم حتى بلغت الجرأة بأحدهم – هداه الله – أن يقول أن الصيام والصدقة والتهجد والعمرة وزيارة المسجد النبوي - هكذا بالحرف في شهر رجب بدعة مخزية وعمل مردود على صاحبه وغير مقبول بحجة أنه ليس هناك نصوص على اختيار هذا الشهر للإتيان بهذه العبادات.
ولا أدري ألا يكفي في نظر هذا الخطيب وأمثاله كون هذا الشهر شهراً حراماً بنص القرآن ليكون شهر أفضلية للمزيد من العبادات المشروعة من صيام أو صدقة أو نسك؟!
ولا أدري أيضا هل قرأ هذا الخطيب في كتاب جامع الأصول عن مشروعية الصيام في شهر رجب؟! وهل قرأ ما جاء في كتاب (لطائف المعارف) لابن رجب الحنبلي عن وظائف شهر رجب؟!
وكيف استباح أن يتألى على الله ويزعم أن كل هذه الحسناوات والأعمال الصالحة التي ذكرها في خطبته وهي عبادات مشروعة غير مقبولة عند الله ومردودة على صاحبها.
وهل تطهرت المجتمعات الإسلامية من المنكرات والمفاسد – وما أكثرها – حتى ترك الخطباء واجبهم في إنكارها ودعوة المسلمين إلى تركها حتى جاءوا ينكرون عليهم الصيام والصلاة والعمرة في شهر رجب.
وأليس على هؤلاء الخطباء من رقيب يردهم إلى الصواب ويعلمهم ماذا يقولون لئلا يبلبلوا أفكار المسلمين ويشككوهم في عباداتهم فيتركوها إلى اللهو والعبث طالما أنها مقبولة ومردودة كما يقول هؤلاء الخطباء؟!