كلنا قرأ خطبة النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع بعرفات يوم الوقفة وما اشتملت عليه هذه الخطبة رغم إيجازها وقصرها من أحكام وتوجيهات نبوية في بلاغة وإعجاز فخرج منها الحجيج يومذاك بمجموعة من الأحكام في الربا وقواعد الإسلام والحلال والحرام وحقوق المرأة مما يمكن بسطه في كتاب لا في خطبة وخلال دقائق معدودة.
فلننظر معا فقرة من تلك الخطبة البليغة الموجزة: أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.. إلخ.
وقد صادف هذا العام أن كان الحر شديدا يوم الوقفة وكانت الكثرة الكاثرة من المصلين للظهر والعصر بمسجد نمرة في عرفات قد اتخذت من ساحات المسجد المكشوفة تحت وهج الشمس وحرارة الجو مجلسا ومقاما لسماع الخطبة في انتظار الصلاة وكأن إمام المسجد وخطيبه غفر الله له لم ينتبه إلى هذا الأمر فأطال الخطبة أكثر من ساعة والمصلون يعانون من حرارة الجو وتصبب العرق ما أثار إشفاق مشاهديهم عبر شاشات التليفزيون.
ونحن لا نريد أن نقارن بين ما تناوله الخطيب من موضوعات في هذا اليوم وفي هذا الموقف وبهذه المناسبة وبين خطبة الرسول عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع التي عالجت موضوعات الساعة يومذاك وما يهم المسلمين عامة حتى نزلت على إثر ذلك الآية الكريمة «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» تلك الآية العظيمة التي قال عنها أحد اليهود لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لو أن هذه الآية نزلت على يهود لاتخذنا من يوم نزولها عيدا.
والسنوات القادمة سوف تكون في الغالب مثل هذا العام أو أشد طيلة فصول الصيف القادمة والحجاج حريصون على الصلاة بمسجد نمرة وحوله هذا الظرف يقتضينا الإيجاز والاقتصار في الخطبة رحمة بالمصلين خارج المكيفات وحماية لهم من ضربات الشمس وكوارث الحر والذي نرجوه أن يتسع صدر إمامنا وخطيبنا المفضال الذي صلى بالناس الظهر والعصر يوم عرفة وخطب فيهم تلك الخطبة الطويلة ليتقبل منا هذه الملاحظة فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وعفا الله عنا وعنه وأثاب المصلين يومها بما هم له أهل وجعلنا جميعا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.