بعد موسم كل حج أصبحت تتعرض هذه البلاد لحملات مغرضة من انتقادات لاذعة ودعاوي باطلة تدور كلها في فلك ما يعانيه بعض الحجاج من متاعب أثناء أدائهم لفريضة الحج.
ونحن لا ننكر - بل ولا نستطيع أن ننكر – أن هناك متاعب ومصاعب وظروفا وملابسات لابد أن تقع لأسباب قهرية منها كون أداء هذه الفريضة في وقت محددة ومكان محدد وتجمع فريد لا خيار فيه لتنظيم دقيق نتيجة لاختلاف طبقات الحجاج علما وجهلا وفقرا وغني وصحة ومرضا وشبابا وشيخوخة.
ولكن الظلم الذي يحز في النفس هو إسناد كل صعوبة أو تعب أو قصور إلى المطوف فهو الواجهة وهو الذي قد أوحى إلى الحجاج أنه مسئول عن كل شيء وقادر على كل شيء وأي طلب – مهما كان – لا يحققه للحاج فإنه ظالم.
هذه الفكرة راسخة ومرسومة في ذهن كل حاج ومن الصعب إدخال أي تفهيم أو تعديل عليها لأن كل ما حول الحاج يؤكد له ذلك فكل ما يصادفه من عناء أو بلاء مصدره المطوف.
هذه الصورة القاتمة للمطوف ليست من فعله فالسماسرة الذين يبيعون ويشترون في الحجاج من بلادهم ينسبون كل قصور أو إهمال أو متاعب إلى المطوف، ومكاتب السياحة والحملدارية ورؤساء القوافل والجمعيات والبعثات نفس الشيء يقبضون من الحجاج في بلادهم أجور السكن والخيام والتنقلات ويعدوهم وبكل ما يحملون به فإذا أوصلوهم إلى مكة المكرمة ساموهم سواء العذاب ناسبين ذلك كله إلى المطوف المسكين والحاج لا يسعه إلا أن يصدق ما يقولون ويظل ساخطا على المطوف ذاما له.
وإذا استسغنا هذا السخط وهذا الذم من الحاج المظلوم هو الآخر من بني جلدته ممن ذكرنا أنواعهم ومشاربهم المتاجرين بالحج لأن حقيقة الأمر تخفي عليه فإننا نعجب أن يسير في هذا الركاب مواطنون يعيشون بيننا – من غير المطوفين – ويحملون على المطوفين حملات شعواء بنفس الروح ونفس الوزن دون بحث عن الحقيقة الضائعة.
ولا أعفي بعض الحجاج بل الكثير منهم من مسئولية ما يقعون فيه من مصاعب ومتاعب نتيجة لمحاولتهم التوفير من مصاريفهم وإدخارها لشراء الهدايا، فالكثير من الحجاج يحاول الوصول إلى المملكة في الأيام الأخيرة قبل الصعود بيوم أو يومين لئلا يدفع أجرة سكن ويصر على افتراش أي ساحة أو ظل جسر أو مسجد ليمضي فيه اليوم أو اليومين ثم يصعد إلى عرفات والبعض يحاول توفير أجرة الإركاب فيصر أن يمشي إلى عرفات ويفترش الفريق الأول الشوارع والطرقات وحول المسجد الحرام ويقال: إن المطوف هو الذي أهمل حجاجه ويتيه الفريق الثاني بين منى وعرفات ولا يستطيع الوصول إلى خيام المطوف وتلقي تهمة ضياعه ومرضه وربما موته بضربة الشمس على المطوف الذي لم يقم بواجبه نحوه على حد رأيهم.. فما هو ذنب المطوف؟؟ وماذا يستطيع أن يعمل؟؟ وقد تعرض بعض المطوفين لضرب بعض بأجناس من الحجاج عندما حاول منعهم من الافتراش أو الذهاب على هواهم.. فقليلا من الإنصاف أيها الناس!!