صالح جمال في غيرته على الشعر
شلة الحداثة تصفق في القاعة فيشاركها الموجودون مجاملة
عجبت كثيراً وأن أقرأ ما كتبه الأستاذ عزيز ضياء بجريدة عكاظ 14/8/1405هـ عن الأمسية الشعرية التي أقيمت في الليلة السابقة لحفل جائزة الدولة التقديرية إذ يقول " إستمعنا ما تلاحق من قراءات الشعراء الأساتذة حسن عبد الله القرشي وعبد الله بن إدريس وهاشم رشيد.
كما استمعنا إلي مسافر والصيخان وكان الظن أننا سنسمع أكثر مما في الدواوين المطبوعة، ولكن ما سمعناه من الشعراء كان ترديداً لما في هذه الدواوين، وإذا سمح لي أن أستثني أحد فإن الشاعرين (مسافر والصيخان) قد إستطاعا بقصائد الشعر الحر الخالي من الوزن والقافية أن يهز كل منهما وجدان المستمعين- وأنا منهم- مما جعلني أتساءل: هل كتب على الشعر العمودي أن يخلي الساحة للشعر الحر؟! وأجد نفسي أجيب: أبداً كل ما في الأمر أن الشاعرين الشابين قد عايشا في شعرهما هموم الإنسان المواطن الذي يدور ويعيش هموم الإنسان العربي في قضاياه بكل ما فيها من مرارة وعذاب".
أجل عجبت والأستاذ عزيز كاتب مرموق وأديب كبير وصاحب أسلوب متميز في الكتابة يقول هذا الكلام عن شعر الحداثة الذي سمعناه تلك الليلة وليس الشعر الحر فإن هناك فرقاً كبيراً بين الشعر الحر المفهوم وشعر الحداثة اللغز الطلسم والذي يصلح أن يقال عنه " إن المعني في بطن الشاعر".. يقول ذلك فيظلم الشعراء الآخرين.. وخاصة الأستاذ حسن القرشي الذي حلق تلك الليلة في قصائده التي ألقاها ويليه الأستاذ عبد الله بن ادريس.
وإن كنت أشاركه الرأي- وبصورة عامة- أن الأسلوب المتبع في هذه الأمسيات الشعرية وهو إحضار كل شاعر ديواناً من دواوينه المطبوعة المقروءة وإلقاء قصائد منها.. أسلوب غير سليم والمفروض أن يقرأ في تلك الأمسيات شعر جديد لم ينشر إن لم يكن كلها فأكبر جزء منها وأن تتخللها مناقشات نقدية وتعليقات على القصائد لأن الاستماع على هذه الصورة القائمة للقصائد تتلي أمر ممل وغير ذي جدوى.
ولا أدري أكان الأستاذ ضياء فيما كتبه ساخراً أم جاداً فإن ما سماه هز وجدان هو وجود فريق من أنصار شعر الحداثة في منطقة محدودة من الندوة كانوا يبادرون بالتصفيق لكل كلمة فيتأثر الحضور ويصفقون بحركة لا شعورية ودون هز وجدان ولا يحزنون.
وأعتقد أن الأستاذ عزيز ضياء سمع معنا في حفل الجائزة كلمة الأستاذ الكبير أكرم زعيتر عن هذا النوع من الشعر ونفيه أنه من فصيلة الشعر والمشاعر والشعراء وكيف ضجت القاعة على كبرها بالتصفيق لما قاله الأستاذ زعيتر.
ليس تحت يدي نص ما سماه الأستاذ عزيز شعراً وهو في رأي ليس بشعر ولا يمت إلي الشعر بصلة وكثير من النثر يهز الوجدان أكثر منه لأضعه تحت نظر القارئ ليحكم هل هذا شعر؟! وهل فيه ما يهز الوجدان أو غير الوجدان؟!
ولكني أذكر قصيدة كانت تترد فيها كلمة "الحجر الفلسطيني" ولم أفهم معنى لهذه العبارة ولعله من المعاني التي هي في بطن الشاعر والتي ترددت كثيراً في إحدى القصائد والشلة الموجودة في القاعة تصفق تصفيقاً حاراً لهذه العبارة غير المفهومة
كما أن تحت يدي نماذج أخرى من هذا الكلام الذي يسمونه شعراً لشعراء ثلاثة نشرته إحدى صحفنا أسوقها لأخي الأستاذ عزيز ليريني مواطن هز الوجدان فيها..
مطر وجهها..
ويداها تراب..
وهذا الذي يتنامى على مرفقيها.. له ثمرة كالعناب..
مطر وجهها..
***
طلبت مداداً..
جف ماء البحر..
صرختها استحالت نبتة في غرة الصحراء..
دمعتها استحالت قطرة..
***
يفيق من الخوف ظهراً..
ويمضى إلى السوق..
يحمل أوراقه وخطاه..
من يقاسمني الجوع والشعر الصعلكه؟!
وقبل أن يقول لي الأستاذ ضياء وأنصار هذا الكلام المسمى شعراً:
وكم من عائب قولاً صحيحاً
وآفته من الفهم..السقيم
اعترف بأنني لم أفهم شيئاً من هذا الكلام وأمثاله مما أقرأه وتنشره الصحف عندنا- مع الأسف- ثم يأتي الأستاذ ضياء- وهو كما أسلفت- ليقول لنا أنه كلام يهز الوجدان.. ويتساءل: هل كتب على الشعر العمودي أن يخلي الساحة للشعر الحر؟! وأنا مازلت أفرق بين الشعر الحر وشعر الحداثة.. ولكني أستطيع أن أطمئن الأستاذ عزيز ضياء وكل غيور على اللغة العربية والشعر الأصيل بأن هذا الكلام الذي لا أستسيغ أن أسميه شعراً قد ولد ميتاً ولن يكتب له البقاء لأن البقاء للأصلح وسينكشف خواؤه تدريجياً حتى يواري مثواه الأخير غير مأسوف عليه بالإضافة إلي ما يندس بين حناياه من إنحراف وفساد وإلحاد مما تناولته الصحف والنقاد ومنها المجلة العربية وصحيفة الندوة التي نشرت قصيدة لأحدهم هي الكفر البواح.
وأخيراً.
لو أن غيرك قالها يا أستاذ عزيز!!