الصديق الأستاذ محمد عمر العامودي ممن أقرأ ما يكتبه كل أربعاء منذ كان يكتب هذا العمود في صحيفة المدينة ثم في صحيفة عكاظ بإنتظام حريصاً على قراءته لما يتناوله في هذه الزاوية من موضوعات تعالج دائماً قضايا تهم القارئ ولكني هذه المرة أود أن أخالفه فيما ذهب إليه في توجيه اللوم إلي رجال الأعمال والقطاع الخاص لإعراضه عن تشغيل الشباب من أبناء البلاد والإعتماد على الخواجا والقادم من أقصى الشرق وخلافه- على حد تعبيره- رافضا ما يتعذر به القطاع الخاص رفضاً قاطعاً دون الدعوة إلي معالجته بدافع من وطنيته وحماسه.
بل لم يتردد في إتهام هذا القطاع بالظلم للشباب واعتبر معاذيره لا أساس لها ولم يعرج بلوم أو تقريع للشباب الذي يظلم نفسه ويدعوه لاحتلال مكان ذاك الخواجا أو هذا القادم من أقصى الأرض بالعمل والجهد.
صدقت- يا أخي محمد عمر- إن بصماتنا كانت- وأركز هنا على كلمة كانت- على كل عمل وقامت دولتنا على أكتاف أبنائها ولكن أين أولئك الأبناء وأبناؤنا الآن؟ وأين هي بصمات المواطن؟ أين هي في المتاجر؟ أين هي في المطاعم؟ أين هي في ورش الإصلاح؟ أين هي في المنشآت المعمارية؟ أين المعلم؟ وأين القراري؟ وأين البنا؟ وببساطة أين التميس البخاري والفول المدمس والمطبق والمعصوب الذي كنا نتناوله لذيذاً من أيدي أولئك المواطنين الذين اختفوا الآن وراء الستار وتركوا الصنعة للمستقدمين من كل صوب بل أن بعضهم أصبح يكتفي بجعل بسيط يتقاضاه من المستقدم مقابل إستعمال إسمه ودكانه وسمعنه قانعاً من الغنيمة بالإياب.
ولنأخذ مثلاً بسيطاً فأنت وأنا وأمثالنا بالآلاف كان لنا زملاء في الدراسة وتخرجنا ومضى كل منا إلي قدره وطموحاته اخترنا أولاً طريق الوظيفة الحكومية ثم العمل في القطاع الخاص عندما وجدنا المورد الأفضل ثم ودعناه إلي العمل الحر لما كنا نحمله في نفوسنا من طموحات ورغبة جامحة في العمل والدأب وبذل الجهد ومضى زملاء لنا في القطاع العام حتى وصلوا إلي ما وصلوا إليه ومنهم من رجع من منتصف الطريق حيث لم يحقق النجاح المطلوب وكثيراً ما نرى بعض زملائنا ما زالوا في الوظائف الدنيا من القطاع العام ويقينا نحن في الوسط- والحمد لله- فهل للقطاع الخاص دخل في كل هذا أم هو الطموح والعمل الدؤوب ومن جهة أخرى القضاء والقدر بلا شك فكل ميسر لما خلق له؟
إن جميع المتحمسين للشباب من أبناء البلاد والناقدين لهذه الظاهرة- ظاهرة تفضيل المستقدم على ابن البلاد- لم يحاولوا دراسة الأسباب والتعمق فيها لم يحاول أحد منهم أن يقول للشباب وهم يرونهم يلهثون وراء وظائف القطاع العام ولا يفكرون في العمل الحر، لماذا يخجلون من العمل مع أبائهم في أعمالهم ويطورونها فلا نرى في متاجرنا إلا المستقدمين من كل جنس؟ لماذا عندما يتخرج الواحد منهم من معهد مهني يسارع للبحث عن وظيفة في القطاع العام ولا يفكر في إفتتاح ورشة ليمارس فيها ما تعلمه مع أن الدولة تعطي قروضاً لخريجي المعاهد الفنية لتكوين أنفسهم بعيداً عن الوظائف؟
حتى خريجات معاهد الخياطة يتخرجن ويجلسن في البيوت أو يبحثن عن وظائف ومن تريد أن تنشئ مشغلاً تبادر إلي إستقدام خياطين رجال ولا تستعين بزميلاتها المتخرجات معها لأنها تعرف النتيجة غير السارة وأصبح نساؤنا يرتدين ملابس من خياطة الرجال ويصرخن من سوء التفصيل والخياطة دون أن يفكرن في الاشتراك بتأسيس مشغل شركة بينهن يعمل فيه زميلاتهن من بنات البلاد ويفضلن مشاركة المستقدمين في الربح على مشاركة بنات بلدهن فلماذا لا نبحث الأسباب في هدوء ونكشف الحقائق ونعالجها بدلاً من ترديد: شغلوهم.. شغلوهن.. وإلا فأنتم ظالمون!!
لماذا لا نصارح الشباب- بدلاً من مناصرتهم-هكذا- بأنهم المسئولون عن إنصراف القطاع الخاص عنهم لأن القطاع الخاص قطاع تجاري يهدف الربح ويحاسب على الدقيقة ويريد عملاً مقابل الأجر بخلاف القطاع العام الذي ساعات العمل فيه أقل وفيه (زوغان) ودخول وخروج، وإجازات إضطرارية وعادية ومرضية وبدون مرتب بينما العمل في القطاع الخاص يحتاج إلي جهد وانتظام وليس فيه يا أم ارحميني!!
وهذا ما يجده القطاع الخاص في المستقدمين بل أزيد منه فأبن البلد-مع الأسف- يرى خطاب مكتب العمل- أكبر شهادة تجعله لا يسأل عما يفعل ويتعالي على زملائه من المستقدمين ولو كانوا يحملون أعلي الشهادات أو يؤدون أهم الأعمال.
إننا بهذه الحملات على القطاع الخاص وإستعداء مكاتب العمل لا نحسن إلي أبناء البلاد بل نسئ إليهم.. نزيدهم من الاعتماد على المشاعر العاطفية وعدم تحسين أحوالهم وأعمالهم ونحسسهم أنهم مفروضون ونسئ إلي القطاع الخاص بإدخال الفوضى إلي أعماله وربما دفعه إلي الخسارة والإفلاس والأولي أن نوجه حملاتنا إلي الشباب من أبناء البلاد وتوجيههم ونحثهم على الحلول مكان المستقدمين بجدارة فهم بلا شك ليسو الأحق فقط ولكنهم الأفضل إذا تساووا في الأداء.
أما أسلوب (إخدمني وأنا سيدك) وشغلني لأني ابن بلد فحسب فإن هذا لا يوصل إلي نتيجة وسيظل ابن البلد بإستمرار غير مرغوب فيه ما لم يؤد نفس العمل الذي يؤديه المستقدم بل أفضل منه بما يعيشه من إستقرار وإحساس بأنه يخدم بلده فالصناعة والتجارة والمقاولات والشركات والمؤسسات كلها مجالات مختلفة لخدمة البلد وكل أصحابها إنما يخدمون بلادهم ولا يضيرهم أنهم يكسبون من وراء ذلك فالمكسب هو ضمان إستمرار كل عمل والخسارة هي طريق فشل أي عمل.
فهل نبحث الأمر من جذوره ونعالج المشكلة من طريق مسبباتها ونوجه اللوم إلي الملوم فعلاً؟ هذا هو الطريق السليم. وهذا هو الحق في نظرنا وإلا فسنظل ندور في حلقة مفرغة.