حياة الرواد حافلة بالعطاء.. زاخرة بالتنوع ثرية بالإنجازات عامرة بالطموحات رغم ضمور الإمكانات التي كانت بين أيديهم ومن الرواد أخذنا.. وعلي دروبهم سرنا.. نستقي الخبرة.. ونسترشد بما وضعوه لنا على الطريق من مؤشرات، ونستلهم من حماسهم المتوقد دائماً ما يعيننا على تحقيق طموحاتنا التي هي إستمرار لطموحاتهم.. ومع أحد رواد العمل الصحفي في المملكة.. كان هذا اللقاء مع الكاتب والصحفي ورجل الأعمال والمسئول في أكثر من موقع الأستاذ صالح محمد جمال..
وفي بداية اللقاء كان السؤال الملح حول المسئوليات المتعددة الملقاة على عاتق محدثنا، وكيفية التوفيق بينها.. حيث يرأس الأستاذ صالح محمد جمال كلا من المجلس البلدي والغرفة التجارية والصناعية ومجلس إدارة الجمعية الخيرية ومجلس إدارة مؤسسة مطوفي حجاج الدول العربية بمكة المكرمة بالإضافة إلي عضوية كل من مجلس إدارة مصلحة المياه والصرف الصحي بالمنطقة الغربية ومجلس جامعة أم القرى.
يغبطونني لكثرة أعبائي.. وأكثرها أعمال فخرية
الكتابة اليوم أصبحت أشبه ما تكون بـ "سلق البيض"
أعمال فخرية
يقول الأستاذ صالح:
§ تحمل كل هذه الأعباء والتوفيق بين مسئولياتها يتم بعون الله ثم بمساعدة الذين يعملون معي في كل موقع..
وأنا أؤمن باللامركزية، ولهذا أوزع أعمالي بين مساعدي لتحمل كل منهم مسئولياته..
وقبل كل شيء لابد من حسن التنظيم والدقة في توزيع الوقت..
وأعجب ما في الأمر أن هناك الكثير ممن يغبطونني على تلك الأعباء والمسئوليات، رغم أن أكثرها أعمال فخرية بدون أجر- ولعلهم في ذلك يذكرونني يقول الشاعر:
هم يحسدوني على موتي فوا أسفا حتى على الموت لا أخلو من الحسد
ويكفي أنني قانع بما أتحمل من أعباء من منطلق حرصي على خدمة بلدي حتى آخر رمق..
بداية الرحلة
· لنعد إلي بداية رحلتكم مع العمل في الحقل الصحفي.. لنقف على كيفية دخولكم هذا المجال؟
§ بدأت بعد أن عملت بجريدة البلاد السعودية في أواخر الستينات وكنت أكتب يومها على استحياء بتوقيع (صاد) تحسباً من أن تكون كتاباتي غير ناضجة على الرغم من أنني كنت من تلاميذ مدرسة مجلة الرسالة التي كان يصدرها الأديب الكبير الأستاذ أحمد حسن الزيات ومجلة الثقافة التي كان يصدرها الكاتب الكبير الأستاذ أحمد أمين وكنت منذ بدأت أكتب عنها عموداً تحت عنوان (أحاديث الناس) ومازلت حتى الآن أمارس هذا النوع من الكتابة إلا قليلاً من الموضوعات الأدبية والدينية والسياسية.
صحافة الأمس واليوم
· كيف ترى الفرق بين صحافة الأمس وصحافة اليوم؟
§ لك الحرية في نشر جوابي على هذا السؤال إن كانت صحافة اليوم تسمح به إن الفرق بين صحافة الأمس وصحافة اليوم هو أن صحافة الأمس كانت شجاعة لا تسرف في المجاملة وصحافة اليوم على العكس. هذا من ناحية الموضوع أما من ناحية الشكل فإن الإمكانيات المتاحة لصحافة اليوم لم تكن متاحة لصحافة الأمس لذلك أصبحت صحافة اليوم أفضل من هذه الناحية.
مهنة المتاعب
· ما هي التجربة التي خرجت بها من خلال عملك في مجال الصحافة؟
§ لا جديد فقد أطلق على الصحافة أنها مهنة متاعب ومن يريد العمل في الصحافة عليه أن يوطن نفسه على هذه المتاعب وتحملها، وأن الصحفي متى تحرى الحقيقة والصدق فإنه سيجد اللذة والمتعة حتى أثناء المتاعب، كالطبيب الذي يشعر بالمتعة والراحة عندما ينجح في علاج مريض ولو كلفه ذلك مغادرة فراشة بعد منتصف الليل وصعد إلي مريض في رأس جبل.
· هناك أكثر من مجال للكتابة.. فهل تفضل التخصص في مجال معين أم أنك مع الكاتب الشامل؟
§ لا يوجد متخصص شامل لكل مجال مقال كما يقولون.. والمثل العامي يقول.. صاحب بالين كذاب.. ولابد من التخصص في مجال واحد حتى يصل الكاتب إلي مرحلة الإجادة والإتقان، والأمانة هي الفيصل في النهاية، وهي كلمة شاملة.. فمتى كان الكاتب أمينا مع نفسه ومع غيره.. فإن قناعة القراء بما يكتب لابد وأن تكون هي النتيجة الطبيعية، بالإضافة إلي تجاوبهم مع أفكاره وأطروحاته.
الشباب والقراءة
· الإقبال على القراءة أصبح نادر في أيامنا هذه، ومع ذلك نسألك عن الكتب التي تنصح الشباب بقراءتها والاستفادة منها.
§ الكتب كثيرة والذي أنصح به نوعان من الكتب، كتب التراث أولاً لأنها الأصل وهي معروفة ومؤلفات كبار الأدباء المعاصرين كالعقاد وطه حسين وشوقي والزيات وأحمد أمين والرافعي وحافظ إبراهيم وغيرهم مما تفرزه المطابع، ففي القراءة متعة لا تقدر بثمن وتسلية تغني عن جميع أنواع التسالي..
والقراءة مفيدة أيا كان نوعها.. ولا شك أن أي موضوع أو كتاب نستطيع أن نستخلص منه العديد من المعلومات المفيدة في مختلف فروع العلم والمعرفة.
مكتبة الثقافة
· كيف بدأت فكرة إنشاء مكتبة الثقافة، وهل كان لها دور في إنعاش الحركة الثقافية في العاصمة المقدسة؟
§ فكرة إنشاء مكتبة الثقافة جاءت في جلسة ضمتني والصديق عبد الرزاق بليلة وأحمد ملائكة في بيتي وكنت يومها أشرف على توزيع مجلة المختار التي كانت تصدرها الرعاية الأمريكية بثمن زهيد وطباعة فاخرة ومقالات ممتعة وكان وكيلها الصديق محمد حسين أصفهاني بجدة وأوزعها له أنا بمكة بواسطة الصبيان الصغار مقابل قرش واحد عن كل عدد فأعطيها لهم بسبعة قروش ليبيعوها بثمانية قروش ولاقت رواجاً كبيراً.
· وكان الحديث عن المجلات والصحف وصعوبة وندرة وجودها بمكة المكرمة حيث لا يوجد إلا مكتبة المربي الكبير الشيخ مصطفي يغمور رحمة الله ومكتبة الشيخ قاسم ميمني بالقشاشية وتوردان عدداً محدوداً من مجلة الرسالة ومجلة الثقافة فكنا نتسابق على شرائها وأحياناً لا نجدها ولا تصل إلا كل نصف شهر كل عددين معاً على البواخر.
· وتساءلنا لماذا لا ننشئ شركة بيننا تهتم باستيراد الصحف والمجلات والكتب الحديثة لنشبع رغبتنا ورغبة شباب مكة وهواة الأدب بها؟
§ وقال الأستاذ أحمد ملائكة- وكان يتردد آتذاك على مصر: على أن يتولي مهمة التفاهم مع دور الصحف المصرية والمكتبات لتزويدنا بما نريد، وقال أخي عبد الرازق بليلة وعليّ أنا الإشراف على إدارة المكتبة وارتأينا ضم الصديق محمد حسين أصفهاني بحكم خبرته في هذا المجال فهو يومئذ صاحب محل لتوزيع الصحف والمجلات بشارع سوق الندا بجدة ثم ضممنا إلينا الصديق عبد الحليم صحاف وهو صاحب مكتبة ليبيع الكتب في باب السلام الصغير بمكة وكانت مقفلة بعد أن توظف بالدولة ولا يفتحها إلا يوم الجمعة للصلاة بها. فوافق على إعطائنا دكانته والتي لا تزيد مساحتها عن متر في مترين فإذا جلس فيها أخي عبد الرازق بليلة إضطررت أنا للجلوس على كرسي خارجها إذا جلست أنا فيها جلس هو على كرسي وأعطانا الزميل أحمد ملائكة مكتبته الخاصة لنزين بها أرفف المكتبة وليس للبيع ولكن مظهر فقط- ريثما تصل وارداتنا من الكتب وافتتحنا المكتبة خلال أيام وكان ذلك في منتصف 1264 ﻫ.
وسرنا على بركة الله واستمررنا وصار لنا عملاء وأصدقاء من الشباب والشيوخ وبعد مدة انسحب من الشركة الصديقان محمد حسين أصفهاني وأحمد ملائكة لظروفهما الخاصة ومازلنا أصدقاء حتى الآن وبقيت والزميلان عبد الرازق بليلة وعبد الحليم الصحاف شركاء حتى الآن وإن كانا قد تركا لي إداراتها بمفردي ومازلت أديرها بالإضافة إلي أعمالي الأخرى.
أما سؤال هل كان بها دور في إنعاش الحركة الثقافية؟ فأنني أترك الإجابة عليه لغيري ممن عاصر قيام مكتبة الثقافة واستمرارها تلك السنوات وخاصة طلاب مدرسة تحضير البعثات والمعهد العلمي السعودي تلك الأيام وهم الآن منتشرون في أنحاء المملكة إذ كان طلاب مدرسة تحضير البعثات قادمون من مختلف مدن المملكة بالإضافة إلي كبار كتابنا وأدبائنا الأحياء أمد الله في أعمارهم.
· بماذا تنصح الكاتب المبتدئ؟
§ بالاستزادة من الثقافة والإكثار من القراءة.
· هل يوجد فرق بين كتاب الأمس وكتاب اليوم؟
§ نعم فكتابة الأمس كانت مركزة أكثر أما كتابة اليوم فهي أشبع ما تكون بسلق البيض في أكثر الأحيان.
· يقال أن الكاتب الاجتماعي لا يجيد في الخطابة المرتجلة، ما مدى صحة هذه المقولة؟ وما هو السبب في ذلك؟
§ ليست هذه هي القاعدة والخطابة فن وموهبة وتدريب.
· صفحات القراءة في صحفنا المحلية، ما هو المطلوب منها؟
· إعادة صياغة مطالبهم وكتاباتهم بأسلوب مقبول بعد الاقتناع بها.
· صحافة اليوم ماذا ينقصها؟
§ الشجاعة وتوطين النفس على تحمل المتاعب.
· الملاحق الأدبية كيف ترونها؟
§ شيء خير من لا شيء.
· ما هو تعليقكم على القضية التي طرحت مؤخراً على المساحة الأدبية حول الشاعر العواد وهل كان شاعراً أم ناظماً؟
§ جاءت هذه القضية متأخرة ومع ذلك فأنا لست ناقداً أدبياً ولا أهمية لرأي في هذه القضية.
· ما هو سر عدم حضوركم للمناسبات الأدبية التي تنظمها الأندية الأدبية وخاصة نادي مكة الثقافي الأدبي؟
§ احضر بعضها وأتمنى حضورها جميعاً ولكن مشاغلي تحول دون ذلك.
· الأندية الأدبية هل أدت دورها المطلوب؟
§ في حدود الإمكانات المتاحة وهي في تطوير مستمر.
· ننتقل بالحديث إلي الغرفة التجارية بمكة المكرمة باعتباركم رئيساً لها ونسأل سعادتكم عن مدى التعاون القائم بين الغرفة والتجار؟
§ التعاون بين الغرفة والتجار المنتسبين إليها أمر قائم وهي لا تدخر وسعاً في تقديم العون والمساعدة لمن يطلبها منهم وقد تطورت في السنوات الأخيرة تطوراً ملموساً.
· ما مدى الإقبال على الدورات التدريبية التي تعدها الغرفة سنوياً لرجال الأعمال؟
§ بدرجة جيدة والغرفة ماضية فيها.
· ما هي أهم منجزات الغرفة وكم يبلغ عدد مشتركيها؟
§ تسلمت رئاسة الغرفة وهي في شقة بعمارة إبراهيم سليم بمدخل شعب عامر وقد تم إنشاء عمارة من عشرة أدوار تشغلها أقسام الغرفة المختلفة وأصبح للغرفة أحدث جهاز حاسب آلي وأقامت أربعة معارض الصناعات الوطنية وأنشأت مركزاً للمعارض بالتنعيم كلفته تسعة ملايين ريال ويبلغ عدد مشتركيها حتى تاريخه حوالي 7700 مشترك وهو عدد ضئيل بالنسبة للغرفة الأخرى.
· هل من كلمة أخيرة في نهاية هذا اللقاء؟
§ كلمتي الأخيرة هي الكلمة المأثورة:
أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلي الله وسلم وبارك على سيد المرسلين.