السبت, 20 أغسطس 2011 00:39

حديث الخميس

قييم هذا الموضوع
(0 تقيم)

قال محدثى:- وهو يحرق الأرم آسفاً، ويعض على يديه ندماً: لئن شكى الناس من الجار ذى العينين فقد جئت إليك أشكو جاراً ذا أربعة عيون. عينان طبيعيتان، وأخريان أوجدهما الطمع إلى ما في أيدي الغير وحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله.

فعين يعقب بها مماثليه في العمل وأسباب العيش ثم يندفع إلى محاكاتهم فيما يعملون وتقليدهم فيما يفعلون بصرف النظر عن مدى كفاءته ومقدرته ويسطو على أفكارهم دون ما حياء.

وعين تجره إلى تتبع جيرانه ممن لا يمتون إلى عمله بصلة فلا تقع على شئ خال أن فيه ربحاً إلا وسارع فأضاف من ذلك الشيء إلى بضاعته المزجاة غير حاسب للمعرفة والتخصص أي حساب ظنا منه أن المال.. المال وحده يستطيع أن يجعل من الجزار مثلاً قماشاً ناجحاً يحرك سوق القماش بأصبع واحدة بل ويقيمها ويقعدها.

وعين تدفعه في حماس إلى سوق الخضار تبحث عن المكسب فيه فإذا تراءى له الربح هناك لم يتورع أن ينزل إلى مشاركة أصحاب هذا السوق في عملهم مع أن عمله يبعد عن تجارة الخضروات بُعد بائع الكتب عن بائع اللحم.

وعين تجوب به الشوارع وتجوس به خلال الأزقة ليبحث عما يكسب هؤلاء وأولئك وتعد لهم الحسنة والسيئة وتنقب عن الربح بأي وسيلة ومن أي طريق...

هذه أربعة عيون – وقانا الله شرها وشر مثلها – وليس هذا كل ما في الأمر بل أن هناك ما هو أدهى وأمر. ذلك أني وثقت بهذا الجار من قبل وائتمنته على أسراري، وأبحت له بكثير من أسرار المهنة التي أكتمها عن كل إنسان، ولم يدر بخلدي أن هذا الإنسان سوف يستغل في يوم من الأيام تلك الأسرار ويسطو على ما كنت أطلعته عليه من أسرار وأفكار بحسن نية ثم ينسبها إلى نفسه دون ما حياء أو اعتذار وها أنا جئت إليك شاكياً – أو مستشيراً على الأصح – فماذا أصنع؟!

قلت: أسمع يا سيدي. إن أمثال جارك في هذه الدنيا كثيرون، ولا عليك من تتبعه لك وتعقيبه لغيرك، فإن أحداً مهما أجهد نفسه، لن يستطيع أن يقتطع لقمة واحدة من رزق آخر وأن المؤمن الحق هو الذي يتكل على خالقه حق الاتكال، خالقه الذي يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً.

أما جارك هذا فإنه أحق بالرثاء منه بالنقمة لأنه مريض النفس، ومرض النفس – أعاذك الله منه – أخطر بكثير من مرض الجسم، فالحسد والتطلع إلى ما في أيدي الناس من أشد منغصات الحياة، بل من أخطر الأمراض النفسية التي تجر المصاب بها إلى الشقاء الدائم، وتهوى به إلى دركات البؤس بل إلى حضيض الرذيلة التي يترفع عنها من خلا قلبه من الحسد وقنع بما في يده عما في أيدي الناس، وما دمت قد عوفيت فاحمد الله على العافية، وارحم جارك هذا فهو أحق بالرحمة منك، واعطف عليه فهو جدير بالعطف وحسبه ما يتجرعه من غصص الحسد ومرارة الخيبة – لأن الحسود لا يسود أبداً – واصبر على جار...

وتأكد أن الفشل المحقق، والإفلاس المؤكد هو نصيب جارك هذا ما لم يحاول إصلاح فساد قلبه، ومعالجة مرض نفسه وسترى..

قال محدثي: صدقت! فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلي به كثيراً من خلقه!!

معلومات أضافية

  • العــدد: 16
  • الزاوية: حديث الخميس
  • تاريخ النشر:
  • الصحيفة: البلاد
الذهاب للأعلي