رغم ما أشعر به من تقدير لرجال المرور عندنا لما يلاقونه من مشاق وما يبذلونه من جهد أجدني أحيانا ضائقاً من بعض تصرفاتهم التي كثيراً ما تكون هي السبب في عرقلة المرور..
كلما شعر رجال المرور بازدحام السيارات في شوارع مكة يلجأون دائما إلى نظام السير في اتجاه واحد فيزداد الحال سوءاً ويمني الناس بمشقة وعناء لا يملكون أمامها إلا الإذعان لإرادة رجال المرور.
وقد كتبنا أكثر من مرة عن مساوئ الاتجاه الواحد في بلد كمكة لا توجد فيه منافذ عرضية تخفف من الدوران الذي يفرضه الاتجاه الواحد وقلنا أن نظاماً يفرض على كل من كان في سوق المعلاة أو الخريق أو شعب عامر ويريد الغزة أو القشاشية أو أجياد أن يتجه إلى السليمانية فالنقاء والشامية فالشبيكة فأجياد فالقشاشية فسوق الليل هذا النظام بالإضافة إلى المشقة فيه فإنه يحول كل السيارات إلى اتجاه واحد يزيد من الضغط.. ويعرقل الحركة وأن قياس شارع مكة العام بالشوارع المماثلة له في البلاد الأخرى قياس مع الفارق ففي تلك الشوارع منافذ متقاربة تستطيع السيارات الدخول منها لتغيير اتجاهها عندما تقرب من هدفها..
كما وأن أوقات الناس ليست هباء تتسع لمثل هذا التطويل مع أن العلاج الأصح والحل الأسرع تحت أيدينا ولكننا نتغاضى عنه ونلجأ إلى الحل الأسهل بالنسبة لرجال المرور مهما كانت صعوبته ومشتقه على الناس..
نعم السهل بالنسبة لرجال المرور فما أسهل أن تقف ثلة من جنود المرور على مفرق من مفارق الطرق محصنة من خلفها بعدد من البراميل والصناديق والأخشاب لتوجه المرور حيث تشاء ويلقى جميع الناس أنواع المشقة وصنوف البلاء من أجل حفنة من السائقين الطائشين الذين لا يحترمون أنظمة المرور ولا يطبقون تعليماته ولا يقيمون أي وزن لرجاله فيقفون حيث يحلو لهم الوقوف ولو كان ذلك وسط الشارع.
هؤلاء هم بلاء المرور فإذا استطاع رجال المرور أن يهذبوا هؤلاء ويفرضوا عليهم احترام نظام السير والوقوف سوف تحل كل مشاكل المرور ولا تحتاج إلى هذا الحل الشاق بين حين وآخر حل الاتجاه الواحد.
ومن المفارقات العجيبة في تصرفات رجال المرور أنهم عندما يجعلون السير في اتجاه واحد لا يستفيدون من خطى الذهاب والإياب فيقتحمونهما للاتجاه الواحد بل يستمر السير على خط واحد مزدحم ويظل الخط الآخر فارغا مع أن الفكرة الأساسية من الاتجاه الواحد هي الاستفادة من عرضه.
وبقدر ما يستعمل رجال المرور نفوذهم في تنفيذ رأيهم هذا وإحداث الربكة تجدهم يتساهلون في السماح بوقوف السيارات مثنى وثلاث ورباع في عرض الشارع حتى لا يبقى ممر لمار دون أن يحركوا ساكناً بل أشبه ما يكونوا بالمتفرجين مع أن العكس هو الواجب..فكل أنظمة المرور في العالم تلجأ في تسهيل المرور بحظر الوقوف إلا بقدر كأن يكون على جانب واحد فقط أو على الجانبين في حدود سيارة واحدة بينما عندنا يسمح بالوقوف على الجانبين لثلاث سيارات أو أكثر ونشجع هذا الوقوف بقصر المرور على اتجاه واحد.
ولقد قلنا أكثر من مرة أن توسعة الشوارع أو العمل بنظام الاتجاه الواحد لن يحلا وحدهما أزمة المرور ما لم يسبقهما شئ واحد هو تلقين الناس احترام إشارات المرور.
أجل.. إن كل مشاكل المرور في الوقت الحاضر هي نتيجة الاستخفاف بتعليمات المرور والاستهانة بإشاراته وليس من ضيق الشوارع ففي كثير من البلدان الأخرى شوارع أضيق ولكن مشاكل المرور تتضاءل وتختفي بقدر ما تتسم به أنظمة المرور من حزم وشدة يفرضان الاحترام.
لو أن رجال المرور هؤلاء الذين يتجمعون عند كل مفرق طريق ليرغموا السائقين على السير في هذا الاتجاه أو ذاك تفرقوا على طول الشارع فمنعوا بشدة الوقوف في غير موقف أو لأكثر من سيارتين على الجانبين أو لأكثر من سيارة في الشوارع الضيقة بحيث يمضي السير دون عرقلة ثم أصروا على سوق كل مخالف مهما كان إلى قلم المرور لدفع جزاء المخالفة.. لو أنهم فعلوا ذلك ووجدوا تأييداً من رؤسائهم وتشجيعاً لفرضوا على الناس احترام المرور ولاختفت كل الأزمات التي نشكو منها.
أما أن تسير الدراجات النارية والعادية وعربات الكارو كما يحلو لها ولا يكترث راكبها لإشارات المرور..
ويمضي بعض السائقين في استهتارهم بتحدي الإشارات الحمراء وليكن بعد ذلك ما يكون..
ويأتي بعض من يسوقون سياراتهم بأنفسهم ليقفوا حيث شاءوا وإذا طلب منهم جندي المرور أن يحركوا سياراتهم رمقوه بنظرة شزراء ثم أعطوه ظهورهم كأنه طالب إحسان.
أما أن يظل الوضع هكذا ثم يجعل عرض الشارع مائة متر فإن أوضاع المرور ستظل كما هي (وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا) إن خمسة ريالات يدفعها المخالف في الحال سترد إلى كثير من السائقين صوابهم.
لقد رأيت بعيني وأعتقد أن الكثيرين رأوا مثلي كيف يقف السائق في الخارج أمام جندي المرور ويعتذر عن مخالفته ويحاول الاستعفاء من الغرامة ويصر رجل المرور على استنفضائها لا تنفع عنده شفاعة ولا وساطة ولا اعتذار.
بينما يقف عندنا رجل المرور في منتهى الأدب ليقول للسائق مثلا: ممنوع الوقوف هنا، أو ممنوع الدخول.. فلن يجد إلا الصلف والكبرياء والاستعلاء.
علموا الناس احترام نظام المرور يصبح لكم مرور منظم مريح.. ولا ترهقوا أغلبية الناس من أجل حفنة من السائقين يمكن تأديبهم بقليل من الحزم والعدل.
دار أبي سفيان:
تذكرت وأنا أقرأ إعلانات هدم منطقة (القبان) بالمدعي لإقامة دار كمكتبة الحرم.. تذكرت ما يقال من أن القبان هو موضع دار أبي سفيان التي أكرمها النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم فتح مكة فقال : (من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن)- أو كما قال.
تذكرت ذلك ووددت أن ألفت انتباه وزارة الحج والأوقاف أو مصلحة الآثار فيها إلى ملاحظة الإبقاء على إطلاق (دار أبي سفيان) على العمارة الجديدة التي ستنشأ في نفس المكان فيكتب على لوحة في نفس البناء اسم الدار ومكانتها في التاريخ الإسلامي.
وبهذه المناسبة أود أيضا من وزارة المعارف الحرص على الاحتفاظ بمعرفة مواقع جميع الآثار الإسلامية بمكة بكتابة مثل ذلك على دار الأرقم بن الأرقم ودار النبي (مولد فاطمة) ومولد النبي، ومولد على ودار أبي بكر، ومسجد الجن، ومسجد الراية، وغار حراء، وغار ثور، وكل أثر من آثار الإسلام التي تذكرنا بما قدم أولئك المسلمون الأوائل للإسلام من تضحيات، وما سجله تاريخهم المشرق من خدمات في سبيل نشر الدعوة وتثبيت دعائم الإسلام، وما في حيواتهم من قدوات، ومثل عليا جديرة بالاقتداء والاهتداء.
للذكرى:
.. وقد طلب عدد كبير من أساقفة نيويورك إيقاف هذا السرطان الجديد الذي ألم بالجيل النابت فقالوا:
- إنه يجب على الحكومة أن تمنع على الفور الملابس الضيقة الفاتنة، والكتب الماجنة، والصور الفاضحة بدون أي تأخير ولا تهاون.
عن مجلة البعث الإسلامي.