للحقيقة والتاريخ أود أن أعقب على كلمة أخى الصديق حسن عبد الحي قزاز عن الصحافة والدوافع التي أدت إلى تحويلها إلى مؤسسات والحيثيات التي بنيت عليها فإنني أذكر أنني أطلعت حينئذ على نسخة من المذكرة التي رفعت إلى المقام السامي من وزارة الإعلام واقترحت فيها تحويل الصحافة إلى مؤسسات فقد بنيت على تقرير من موظف بالوزارة يقول فيه أنه قام بإجراء إحصائية عن المبالغ التي حصلت عليها الصحف من الوزارات والمصالح الحكومية وقد بلغت أربعة ملايين ريال وأن هذا مبلغ ضخم.. وهو فعلاً ضخم في تلك الأيام أي سنة 1383ﻫ ولا يجوز أن يستأثر به أفراد معدودون هم أصحاب الصحف من المواطنين وأنه من الأفضل تعميم هذا الخير على أكبر عدد من المواطنين وتحويل ملكية كل صحيفة إلى عشرين مواطناً أو أكثر تحت اسم مؤسسة، كما أمر رؤساء التحرير الذين هم أصحابها غالباً ما ينفردون بتوجيه صحفهم ومن الأفضل أن يكون توجيه الصحافة جماعياً.
هذا هو التبرير الظاهر ولكنهم في الحقيقة كانوا يخفون أمراً أهم هو رغبتهم على السيطرة وعجزهم عن ذلك بسبب استقلال الصحف وملكيتها لأشخاص فتفتقت أذهانهم عن وضع نظام المؤسسات المسلوق في عجلة من أمرهم وفات عليهم أمران..
الأول: أنه قد يكون صحيحاً أن وارد جميع الصحف يومئذ قد بلغ أربعة ملايين ريال من إعلانات الحكومة، ولكن كم كانت مصاريف الصحف؟! وهل كان للصحف يومها مورد غير إعلانات الحكومة؟!
من المسلم به أن مبيعات الجريدة واشتراكاتها لا تغطى شيئاً يذكر بالنسبة لمصاريفها ولا قيمة الورق فضلاً عن الطباعة والتحرير والإدارة، أما الإعلانات الشعبية فقد كان الوعي الإعلاني شبه مفقود وكانت أكثر الإعلانات تدور في فلك فقد رخصة وفقد إقامة واستحكام.. وأما التجار فقد كانوا غير مؤمنين بجدوى الإعلانات وقلما يوجد في الصفحة بكاملها إعلان واحد..
ولم تكن في ذلك الوقت إعانة حكومية ولا يحزنون..
الثاني: أنهم عند تشكيل المؤسسات لم يبحثوا عن الصحفيين والكتاب والأدباء وأصحاب الفكر والرأي بل بحثوا عن الرأسماليين وأصحاب الثروات ظناً منهم أن هؤلاء سيصرفون من جيوبهم على تطوير الصحف ويكفوهم شر الإعانات ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن..
ولو أنهم درسوا بعمق تاريخ نشأة أكثر الصحف وحالة منشئيها لوجدوا أن أكثرها ولدت في أكواخ الفقر والكفاح والعرق والصمود ولم يكونوا بحاجة إلى الذهاب بعيداً.. وكان يكفي قراءة تاريخ نشأة دار أخبار اليوم وصاحبيها على ومصطفي أمين وجريدة المدينة وصاحبيها الصديقين على وعثمان حافظ ولا أذيع سراً إذا قلت أنني كنت أطبع جريدة حراء عند أخي وصديقي الأستاذ محمد حسين أصفهاني بالدين وأصدرها وأديرها من دكان هو مكتبة الثقافة ولا مكافآت ولا مرتبات ولا يحزنون فكل من يعمل معى بالمجان وفي مقدمتهم شقيقي أحمد والصديق حسن قزاز وإذا كان أخي حسن قزاز قد خرج بثلاثة وستين ألف ريال من جريدة البلاد فقد خرجت أنا من الندوة بمخزن كبير من الورق إذ كنت أضع كل ما يتوفر عندي من نقود في استيراد الورق خوفاً من توقف الجريدة وبأحدث آلة طباعة يومئذ كنت قد استوردتها لطبع الندوة بها وقبل إخراجها من الصناديق وتركيبها جاء نظام المؤسسات فبعتها على مؤسسة مكة للطباعة والإعلام التي خلفتني على ملكية الندوة..
هذه بعض الحقائق التاريخية التي قد تكون مكملة لما جاء في كلام أستاذنا الكبير الشيخ حمد الجاسر وكلمة الصديق حسن قزاز والله من وراء القصد..
أجازة
عزيزي القارئ.. بعد هذه الكلمة أبداً أجازة منحتها لنفسي لأستريح قليلاً بعد أن أحسست بالتعب فمعذرة وإلى اللقاء الذي أرجو أن يكون قريباً..