من المسئول عن تردي النظافة أيام الحج في مكة ومنى؟! الحجاج عموما؟! عمال النظافة؟! المقاول؟!
بعض الحجاج وعمال النظافة والمقاول كل ذلك ساهموا بقسط لا بأس به من هذا التردي وكذلك بعض المواطنين. أما القسط الأكبر فقد نشأ عن سكنى فريق من الحجاج في شوارع مكة وخاصة المناطق المحيطة بالحرم وحول الجمرات في منى فقد تحولت جميع الكباري والأرصفة والساحات وقراجات السيارات والحدائق وكل هذه المناطق غير مهيأة للسكنى وليس بها مرافق تحولت إلى مساكن لبعض الحجاج يأكلون ويشربون ويغسلون ويرمون فضلاتهم وفضلات بطونهم ويختلط الحابل بالنابل وتتكون أكبر بؤرة للقذارة يعجز عمال التنظيفات عن إزالتها بحكم نوم السيدات والأطفال في قلبها.
أما عن داخل المسجد الحرام المكان المفروض صيانته وطهارته فإن بعض الحجاج سامحهم الله قد صنعوا به ما صنع الحداد وكأنه ليس هو ذلك البيت المقدس الذي قال الله تعالى عنه "وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود".
ولو أن أمانة العاصمة أو أي جهة تتعهد بنظافة مكة والمشاعر المقدسة حشدت آلاف العمال وزادت من المعدات وضاعفت النفقات فإن النظافة لا تتحقق أبداً طالما أن هناك جماعات من بني آدم يفترشون أرض الشوارع والحارات والميادين وينشرون الأقذار والأوضار.
إن التغلب على مشكلة النظافة في الحج يتوقف على منع اتخاذ الشوارع والميادين مقاماً ومناماً منعاً جازماً لا مجاملة فيه ولا تهاون لأننا مسئولين عن هذه الحالة أمام الحجاج الآخرين وهم الأكثرية وقد تحدث إلى الكثيرون منهم وسألني أحدهم هل يعقل أن يدخل الحاج المسلم إلى بيت الله وهو يضع يده على أنفه متضرراً؟! ولم أستطع الإجابة من شدة الخجل.
وسألني آخر: هل أنشأت الدولة جسر الجمرات للتوسعة على الراجمين وتمكينهم من الرجم في سهولة ويسر؟! أم أنشأته ليستظل بظله بعض الحجاج ويوفرون على أنفسهم نصب الخيام ويزيدون من شدة الزحام وينشرون الروائح الكريهة التي تزكم أنوف الرامين الذين يجعلونكم مسئولية هذا الوضع السيء؟! ولم أجب أيضاً..
إن هذا النوع من الحجاج لم يكتف بالاستظلال بالجسر والإقامة والنوم والأكل تحت سقفه بل صعد فريق منهم إلى سطح الجسر وجمع براميل القمائم وأنشأ منها بيتا جعل سقفه من البطانيات والشراشف بصورة مزرية ومنعوا الآخرين من إلقاء القمائم في أوعيتها الموضوعة لهذا الغرض وقال لي آخر لقد حججت سنة 1394ﻫ وكان عدد الحجاج في تلك السنة أكثر منهم عن هذا العام ولم أشاهد هذه الظاهرة.. ظاهرة سكنى الحجاج في الشوارع والأرصفة والميادين ولم أشاهد هذه القذارة المنتشرة في كل مكان وخاصة حول المسجد الحرام بمكة والجمرات بمنى فهل إستمرأ بعض الحجاج هذه المساكن المجانية القريبة من الهدفين المسجد الحرام والجمرات؟!
لقد زرت المسجد الأقصى والعتبات المقدسة في العراق في مواسمها وشاهدت حج المسيحيين إلى كنيسة القيامة وبيت لحم في فلسطين فلم أر مثل هذه المشاهد حول المسجد الحرام.
قلت يا صديقي إننا هنا – شعباً وحكومة – ننظر إلى حجاج بيت الله نظرة خاصة ونعتبرهم ضيوف الله أولاً ثم ضيوفنا ثانياً ونحاول ألا نرغمهم بشيء وندعوهم بالحسنى ولكن السيل في السنوات الأخيرة بلغ الزبى وجاوز الحزام الطيبين كما يقول المثل العربي وأصبحنا نحس بصدق الشاعر العربي الذي يقول:
فوضع الندى في موضع السيف بالعلا
مضر كوضع السيف في موضع الندا
حتى الجسور التي أنشأناها لتسهيل سير المرور ومواقف السيارات التي بنيناها لنفس الغرض تحولت إلى ملاجئ ومساكن ولم يستفد المرور منها إن لم تكن أساءت إليه وعرقلته.
ولقد نادينا مراراً أن الحج لم يفرض إلا على المقتدر أما العاجز عن تحقيق شروط الاستطاعة والسكن طبعاً من شروطها وإن لم ينص عليه ولكنه جزء من الزاد فلا داعي لإرهاق نفسه وإرهاق غيره بهذا الحج الذي يتنافى مع كرامة الإنسان – أي إنسان – فكيف بكرامة المسلم وعزة المؤمن التي تأبى الحياة على هذه الصورة المهينة من نوم الرجال والنساء والأطفال في الشوارع والميادين يفعلون كل شيء حيث يجلسون ويتفرج عليهم الرائحون والقادمون ولكن أحدا لم يسمع لما نقول وبقي أن تأخذ الدولة بالقاعدة الشرعية إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.. وتحريم هذا النوع من السكن تحريماً باتاً بالقوة.
فهل نفعل ذلك حفاظاً على كرامة الحجاج وحماية لسمعة البلاد وإظهاراً لما تحققه من خدمات؟!