عندما نادينا في أوائل العام الماضي بضرورة إيجاد البدائل قبل الهدم قالوا لنا أنتم معوقون.. أنتم ضد التحسين والتجميل.. أنتم لا تحبون لبلدكم الخير..
والأعجب من هذا أن الذين يحاولون معالجة هذه المشكلة ينحرفون عن الجهر بكلمة الحق التي يجب أن تقال في مثل هذه المواقف ويجاملون البلديات ويلتمسون لها العذر في استعجال تنفيذ مشروعات الهدم بحجة التوسعة على السيارات أحياناً وبحجة التحسين والتجميل أحياناً أخرى وكلا الحجتين في رأينا داحضة إزاء الأضرار الفادحة الناجمة عن الاستعجال.
وبدلاً من أن يقولوا للبلديات مهلاً ويطلبوا تأجيل الهدم ولو سنة واحدة لم يستحثوا وزارة الإسكان إيجاد البدائل يلجأون إلى سلق ملاك العقار بألسنة حداد وكأنهم الوحيدون الذين أعماهم الجشع وأضلهم الطمع ولا يوجد لهم مثيل في المواطنين من التجار والصناع والعمال بل والموظفين..
والأنكى من هذا وذاك لجوء البلديات إلى المبادرة بقطع الماء والكهرباء عن المناطق المطلوب هدمها لإجبار السكان على الإخلاء قبل أن يتمكنوا من الحصول على سكن بديل الأمر الذي يضطر الكثيرين منهم إلى الحلول ضيوفاً ثقلاء على بعض الأقارب أو المعارف..
إننا نكرر ما قلنا في العام الماضي أن التحسين والتجميل ليس ضرورة مستعجلة يضاربها المواطنون.. وإيجاد مواقف للسيارات أو تيسير سيرها أيضا ليس في نظرنا ضرورة ملحة لا يصح أن تؤجل إلى العام القادم.. إن قطع السيارة مسافة ما في ضعف الوقت المحدد لذلك أخف ضرراً من إرهاق مواطن بدفع أجر سكن مقتطع من قوته وقوت عياله..
صحيح أن الضحية الوحيدة في مشروعات التحسين والتجميل والتوسعة هو المستأجر وهو الأحق بالتعويض والرحمة والعطف، أما المالك والبلديات فهم الرابحون.
إنني أناشد الأميرين الكريمين متعب بن عبد العزيز وماجد بن عبد العزيز وزيري الإسكان والبلديات بالتعاون للتخفيف من ويلات هذه المشروعات التي لا يختلف اثنان على خدمتها للمصلحة العامة بالعمل على إيجاد البدائل أولاً بحيث لا يبدأ في تنفيذ مشروع هدم إلا وقد أقيم قبله مشروع بناء.
وكما أسلفت لن يضير مشروعاتنا تأخيرها عاماً أو عامين بقدر ما يضار من كرائم الأسر من هذا الاستعجال ولا ننسى الأثر النفسي لإخراج الناس من بيوتهم قهراً بقطع الماء والكهرباء مع صعوبة وجود البديل أو استحالته بالنسبة لذوي الدخول المحدودة وهم الأكثرية الساحقة وأسال الله لسموهما التوفيق.
رحلة عذاب
ذكرتني رحلة الأخ زكريا يحى لال علي الخطوط السعودية برحلة أشد عذابا وإيلاما وتشويهاً لحق هذه الخطوط الحبيبة إلى نفوسنا والتي نتمنى لها أن تكون في قمة الطيران سمعة وثناء وقد كانت فعلا كذلك في وقت من الأوقات ولكن ما أن حلت طائرات الترايستار ضمن أسطولنا حتى حلت معها هذه الفوضى وهذه المتاعب.
أما القصة التي وقعت لي شخصياً يوم 27 رمضان وكان أكثر الركاب صياماً ساهرين الليل بأكمله وطلب منا الحضور الساعة السادسة صباحا فجئنا قبل الوقت لأننا بطبيعة الحال لم نستطيع النوم بعد صلاة الصبح فواصلنا السهر حتى وصلنا المطار لعلنا نستمتع بغفوة فوق الأثير.
وكان المطار يومها مكتظاً بالركاب وعدد الطائرات إلى القاهرة ثلاثاً إحداها ترايستار لكثرة المسافرين لقضاء عطلة عيد الفطر بالقاهرة وبعد ثلاث ساعات أمضيناها داخل الطائرة قيل لنا أنزلوا ريثما يجري إصلاح الطائرة.
ونزلنا إلى غرفة الترانزيت وانضم إلينا ركاب الطائرة الثانية ثم الثالثة وأصبحت الغرفة كخلية النحل وقدمت الخطوط وجبة خفيفة للمفطرين وفطروا أمام أعيننا ثم أخرجوا علب السجائر وأكفهر جو الغرفة وضاقت أنفاس الصائمين ودارت رؤوسهم واستمر هذا الوضع السيئ من الساعة التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساء حيث أمنت الخطوط لهذا الحشد الكبير طائرة واحدة تتسع لمائة راكب فقط بينما بلغ عدد الركاب المنتظرين أكثر من ثلاثمائة وخمسين راكباً اختلط عفشهم ببعض.
ونادوا على الركاب جميعاً وتراكضنا على الأتوبيسات، وبهمسة من أحد موظفي الخطوط ثم بقدرة قادر شاء الله أن أصل إلى الطائرة في أوائل الواصلين وامتلأت المقاعد المائة ونزل الباقون من الطائرة منكسي الرؤوس كاسفي البال للعودة إلى غرفة الانتظار حتى يفرجها الله وتأتي طائرة أخرى.
وقيل لنا سافروا وسيصل متاعكم بعدكم بثلاث ساعات وسافرنا فعلاً وقدم المضيفون وجبة للمفطرين أيضاً وكان قد حان وقت الإفطار للصائمين عند اقتراب الهبوط فاعتذر المضيفون عن تقديم الطعام وقدموا كوباً من العصير البارد اضطر بعض الصائمين إلى الإفطار به فسبب لهم غثياناً ثم قيئاً وجاد على وعلى بعض الركاب كريم سعودي بتمرات حمتنا من نتيجة الإفطار على الشراب البارد ووصلنا مطار القاهرة وقد ذاب منا العظم وخار العزم.. وحدثنا عن سابقات لها ولاحقات كثير.
والأمل في تغلب الصديقين كامل سندي وعبد الله مهدي على هذه المشاكل والمتاعب جعلني أؤثر الصمت ولكن الشيء بالشيء يذكر كما يقولون ولعل الأخوين العزيزين لا يعلمان بما يقاسي الناس.