القائمة الرئيسية
بـحـــث
المتواجـــــدون الآن
يوجد حاليا 91 زوار المتواجدين الآن بالموقع
الثلاثاء, 29 يناير 2013 21:10

القياس على المثل قاعدة من قواعد الشرع

قييم هذا الموضوع
(0 تقيم)

تساءل الصديق الشيخ أنور أبو الجدايل في صحيفة البلاد الغراء بعض التساؤلات يشير بذلك إلى ما كتبته أنا وبعض الكتاب عن مشكلة العقار وأجدني مضطرا لإجابته على تساؤلاته وكل ما أرجوه أن يشاركني الصديق الرأي في أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.

1- روح التعاطف من سمات الإنسانية، وعكسها القسوة وهي من الصفات اللاإنسانية ولا يعيب الإنسان أن يكون عاطفيا بقدر ما يعيبه أن يكون جبارا وأن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ومن أبرز صفات المسلمين المستحسنة التعاطف والتواد والتراحم ومن أسوأ أخلاق الإنسان الاستغلال والاحتكار والإضرار بالناس.

أما الهوى والغرض فما أظن الصديق برئ منهما أما هواي أنا فإنه مع المستأجرين المغلوبين على أمرهم رغم أني لست منهم..

2- أما هل في البلاد أزمة سكن فإن مثل هذا السؤال لا يصدر إلا من إنسان يعيش في أملاكه أو يعيش في أبراج عاجية فإصرار أكثر الملاك على الزيادات وبالأخص المرتفع منها هو أكبر دليل على وجود الأزمة فلو عرف الملاك أن المستأجر إذا خرج سوف يجد عن مسكنه بديلا كانوا معهم لطفاء ولم يجرأوا على القول: ادفع وإلا تخرج..

3- إنني أربأ بأخي الأستاذ أنور أن يلتبس عليه الأمر فيتساءل هل دخول الأفراد الآن مثلها قبل 14 سنة وكأنه يريد أن يقول أن أجور العقار الحالية هي أجوره قبل 14 سنة وهذا غير صحيح بالطبع فالأجور لم تقيد إلا في عام 84 أي قبل سنتين فقط وبعد تصحيح السؤال أستطيع أن أجيبه نعم أن دخول الأفراد منذ عام 1384 لم يطرأ علها تبدل يذكر.

4- إن 5 % هو متوسط إيرادات العقار في أغلب البلدان واستثمار الأموال في العقارات لا يلجأ إليه إلا في حالتين: ضيق المجال في الاستثمارات الأخرى بالاكتفاء وتجمد النقود، أو عجز المستثمر عن اقتحام ميادين الاستثمار الأخرى فالتجارة والصناعة والزراعة لها رجال مؤهلون لا ينجح فيها كل من هب ودب وعلى رأس المال الوطني واجب وطني هو المساهمة في إعمار الوطن في مختلف المجالات ومنها توفير المساكن وتيسير سبل العيش للمواطنين ومن مبادئ الإسلام: "وأحسن كما أحسن الله إليك" والاستثمار في المجالات الأخرى ليس ربحه مضمونا 100% وقد أدرك هذا الواجب فعلا بعض ملاك العقار فأعلنوا من تلقاء أنفسهم عن عدم الزيادة فاستحقوا تقدير المواطنين والثناء عليهم في كل مجلس واقتدى بهم آخرون.

5- أما السؤال: هل نصت تعليمات وزارة الداخلية أنها مرتبطة بالتعليمات السابقة فقد أجاب عليه المحاميات الفاضلان مسبقا بما فيه الكفاية وبما معناه أن كل نظام أو مرسوم سابق لم يرد نص بإلغائه يظل ساريا المفعول.

6- أما حديث "المسعر هو الله" فمن العلم الحديث أصولا وقواعد ليس هذا مجال بسطها والخوض فيها ولكل حديث أسبابه وظروفه وأهدافه السامية ولكني أستطيع أن أقول في إيجاز أن هذا الحديث لا يمنع التسعير على إطلاقه وأقرب دليل ما هو قائم الآن من تسعير في أكثر المجتمعات الإسلامية وفي مقدمتها مجتمعنا الذي نعيش فيه فاللحوم والعيوش والأدوية والأسمنت وأجور السيارات بين مدن المملكة.. كل ذلك محدد.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الحديث لا تؤخذ منه النصوص للاستدلال بها على طريقة "ويل للمصلين".. ولكن بعضه يتمم البعض وبعضه يفسره إلى جانب حديث المسعر هو الله أحاديث كثيرة أخرى لا تبيح التسعير فقط بل توجبه منها حديث "لا ضرر ولا ضرار" وأحاديث أخرى في النهي عن الاستغلال والجشع والاحتكار.. لا تتسع لمردها هذه الكلمة.

7- نعم ليس في وسع القاضي أن يحقق رغبة المالك بالأمر على المستأجر أن يبحث له عن سكن ملائم إذا لم يذعن لدفع الزيادة التي يفرضها – كما يريد ذلك الأخ أنور – لسبب بسيط هو أن القاضي مقيد بحكم الشرع وليس هذا هو حكم الشرع قولاً واحداً ولو كان الأمر كذلك لما كانت حاجة إلى الإحالة إلى المحاكم ولشملت التعليمات هذا النص الصريح : على المستأجر أن يدفع للمالك الأجرة التي يطلبها أو يخلي المأجور ولكن للمسألة وجوها وملابسات تختلف بعضها عن بعض وعلى القاضي مراعاة هذه الظروف والملابسات ومن أجل ذلك قررت الدولة إحالة الطرفين إلى الشرع يقول كلمته ولن تكون هذه الكلمة بحال من الأحوال انتصارا للاستغلال والاحتكار – بل أنها من المؤكد تحقيق المساواة وإقامة للعدل – ونصر للحق.

8- ليس في فتوى سماحة المفتي ولا في تعليمات العقار الصادرة عن وزارة الداخلية ما يوحي إلى القاضي بالحكم وفق هوى المالك: ادفع ما أريد أو أخرج.. وإذا فهم بعض الملاك هذا أو بعض المغرضين ممن يحرفون الكلم عن مواضعه فإنه فهم خاطئ فالفتوى تنص على التراضي فإن تعذر فإلى حكم الله وحكم الله في ذلك يختلف بين قضية وأخرى تبعا للظروف والملابسات فربما كان بالإخلاء إذا اقتضته الضرورة وربما كان أجرة المثل وكلا الحكمين عدل إذا استوفى شروطه فلماذا اختار أخونا الأستاذ أنور حكم ادفع ما يريده المالك أو أخرج وابحث عن سكن ملائم؟! وإذا جزع من أجرة المثل واستنكرها وهي قاعدة من قواعد الحكم في الإسلام هل يريدها تحكما وتسلطا وتجبراً من جانب ورضوخاً وتسليماً من جانب آخر؟! باسم الحرية المظلومة!! ترى أو أن أخي أنور استأجر معرضا كبيرا وزينه بالديكور والموبيليا المناسبة وكلفه ذلك ضعف الأجرة وأعلن عنه وعرفه الناس واشتهر لديهم وكانت أجرته عشرة آلاف ريال ثم أطل العام الجديد وجاء المالك يطلب عشرين ألفا أو الإخلاء... ربما كان ذلك بدافع الطمع.. أو بوحي من منافس يريد إخراج الساكن بأي ثمن ماذا سيكون شعور الأخ أنور؟! أيقول: أن هذا هو حكم الشرع ثم يدفع راضيا مطمئنا؟! أم سيتمتم بينه وبين نفسه – على الأقل - : استغلال .. جشع .. ظلم .. إلى آخر المعاني؟! ولنفرضه دفع هذا العام وسلم أمره إلى الله ثم جاءه في عام قابل قائلا: ادفع ثلاثين ألفا وإلا أخرج .. فلقد جاءني من يريده بأربعين وإكراما لك سأقبض ثلاثين فقط وهكذا كل عام زيادة يضطر المستأجر إلى دفعها حفاظا على تأسيساته وديكوره وشهرة المحل.

إن أخي أنور كتب ما كتب بمشاعر الملاك، أو المستأجرين من ملاك طيبين وكان عليه أن يتحسس مشاعر الجماهير ويتلمس أحاسيسهم إزاء هذه المشكلة التي لا يختلف اثنان في وجودها.. لو أنه فعل ذلك لأدرك أن معلوماته عنها تحتاج إلى استيعاب الشمل.

أ- إن في البلاد أزمة سكن وهي أشد منها في المتاجر وهو أمر طبيعي لمشروعات التوسعة والتطوير التي تعيشها بلادنا.

ب- إن بعض الملاك يستغلون هذه الفرصة ويريدون كل عام زيادة، وعندما يكون العقار خاليا يتساهلون في تأجيره كالمصيدة يوقعون فيها المستأجر ثم يبدأ الشد والجذب بعد أن يوطد المستأجر اقدامه ويرسي قواعده ويصعب عليه الشد والترحال فلينزل إلى الأسواق ليرى بعينه ويسمع بأذنه.

ج- لم يقف تعسف بعض الملاك عند هذا الحد بل تجاوزه إلى شروط غاية في الغرابة فبعض العقود يشترط المالك فيها على المستأجر عدم التأجير وبعضها يشترط عدم استعمال الدكان في غير المهنة التي كان يزاولها عند الاستئجار والبعض الآخر يشترط المقاسمة في الأجرة إذ أجر المستأجر .. الخ.

د- تلقيت وأنا أكتب هذه الكلمة رسالة من مستأجر مضمونها أن ملاك شارع من الشوارع المهجورة الخالية من السكان إلا من مطعم وجزار وسمكري ومصلح مراوح وقهوجي جاءوا إليه وإلى رفاقه وعرضوا عليهم الانتقال إلى هذا الشارع بخمسمائة ريال فنقلوا إليه وأصلحوه وعملوا الديكورات اللازمة والفترينات والأرضية وصرفوا في ذلك الشئ الكثير وبذلو من الجهد في تعريف الشارع وتحويل الأنظار إليه ما لا يطاق حتى اشتهر وعرفهم عملاؤهم هذا في عام 83 وفي عام 84 جعلوا الأجرة بزيادة 50% وفي عام 85 كذلك حتى أصبحت الأجرة ألف ريال وفي عام 86 لم يزيدو شيئا باعتبار استيفاء الدكاكين حقها من الإجارة.

أما في عام 87 فقد لبسوا للمستأجرين جلود النمور وشمخوا بأنوفهم قائلين: "لقد اجتمعنا وقررنا: إما ترضون وأما تخلون".

ثم يتساءل القارئ في آخر رسالته ألا يعد المالك والمستأجر شريكان في إعمار الشوارع والأسواق والدور؟! هذا ببنائه، وهذا بإصلاحه؟

وماذا يسمى هذا الذي يؤجرك بطوعه واختياره بل واستعطافه ثم يظل يوالي طلبات الزيادة لا يفتر عنها مستغلا ارتباط الساكن بمتجره وعجزه عن التضحية بخسارته؟!

هذا ما وددت أن أعقب به على كلمة الصديق الشيخ أنور أبو الجدايل وأكرر القول بأن حاجة الناس إلى المسكن والمتجر لا تقل عن حاجتهم إلى المأكل والمشرب فالأول مأوى لا غنى عنه والثاني باب رزق لا معدي عنه والشرع لا يمنع تدخل الدولة بل أراه واجبا في هذا العصر المادي الذي لم تعد تنفع معه المواعظ ولا التذكير وأصبح هم الناس جمع المال بعد أن تحجرت العواطف وقست القلوب.

وأكرر اقتراحي بضرورة وضع نظام لأجور العقار يقضى تثبيتها لثلاث سنوات على الأقل وقبل نهايتها يعاد النظر فتحدد الأجور بالتثبيت أو الزيادة أو الإنقاص حسب ظروف المعيشة وتطورها بما يحفظ حقوق الملاك والمستأجرين على السواء فكلاهما عضو نافع في المجتمع لابد من رعايته وحمايته.

وأسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وأن يرفع عن أعيننا غشاوة المادة وأن يشف قلوبنا من داء القسوة وعواطفنا من مرض الجفاف وأن يرفق بمن يرفق بعباده ويشق بمن يشق عليهم إنه على كل شئ قدير.

معلومات أضافية

  • العــدد: 2519
  • الزاوية: كل اسبوع
  • تاريخ النشر:
  • الصحيفة: الندوة

اترك التعليق

الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.

المقالات حسب تصنيفات المواضيع

لتحميل المقدمة و العناوين هنا