لقد آن للشعوب المخدوعة أن تسأل
لقد آن للشعوب العربية المخدوعة بالشعارات البراقة والتضليلات الزائفة أن تحاسب حكامها الثوريين وأن تناقش معهم حساب الأرباح والخسائر منذ أن ابتدعوا لها بدعة الثورية والاشتراكية والتقدمية..
أجل، إن لها أن تسألهم بعد خمسة عشر عاما من الانقلابات والثورات والاتهامات لأسلافهم ومعاصريهم من الحكام غير الثوريين بالعمالة والخضوع للاستعمار.. والقواعد العسكرية والمساعدات المشروطة وغير ذلك مما رددته أبواقهم خلال هذه المدة الطويلة حتى انخدع بدعاواهم البعض وسار في ركابهم السطحيون من العرب مأخوذين بسحر بيانهم وحلاوة لسانهم وخداع سرابهم.
آن لها أن تسألهم في صراحة وجرأة أي اقتصاد أقوى وأنشط وأكثر انتعاشا؟!
أهو اقتصاد البلاد الثورية وما اكتنفه من قيود وسدود وتهريب وتصريف؟!
أم اقتصاد البلاد اللاثورية وما يسوده من انتعاش وحرية وقوة.
آن لها أن تسألهم ما هو الفرق بين الاستعمار الغربي والاستعمار الشرقي.. ولماذا يسمى من يصادق الغرب ويتعاون معه ويعامله معاملة الند للند دون قروض ولا مساعدات ولا قواعد.. هذا يسمى عميلاً وذئباً وخائناً لبلاده وعروبته.
بينما يطلق على صديق الشرق المعتنق لمذهبه السائر في ركابه والعائش على فتات موائده ومساعداته والمكبل بقروضه واشتراطاته يطلق عليه : بطلا .. ورائدا .. وقائدا..
إن لها أن تسألهم : من حرم على الزعماء العرب ما استحله الثوريون من التمسح بأعتاب الكرملين والتسكع على أبواب زعماء الشيوعية واعتبار زيارة واشنطن ولندن جريمة لا تغتفر..؟
إن لهم أن يسألوهم عن المكاسب الحقيقية من معاداة دول الغرب رغم كثرتها وثقل وزنها في المجال الدولي ومصادقة دول الشرق والتودد إليها رغم ضآلتها وانهزامها أمام الغرب أكثر من مرة .. في كوبا .. في برلين .. في فيتنام.. وأخيرا في الشرق الأوسط.
ألم يعترفوا بألسنتهم أن مناطحة الغرب خطأ لا يقوون على احتوائه وأن صديقهم الأكبر وسندهم الأول يجتنب التناطح مع أمريكا؟! فكيف أقدموا على الاستفزاز والإثارة كما يفعل القزم الهزيل عندما يلتقي بالعملاق الضخم.. يجري وراءه.. يضحك عليه أولا ثم يشتمه.. يجر ثيابه.. يقذفه بالتراب والحصى.. بينما ينظر إليه العملاق شذرا. ويقضي عنه استعطافا وعطفا ولا يلتفت إليه استخفافا فيتبادر إلى ذهن القزم أن العملاق خاف ولاذ بالفرار منه، دون أن يتبادر إلى ذهنه أن الموضوع مجرد استدراج تحينا للفرصة وتمكينا لخلوة أو ظرف تتيح له فرك أذنه فركة تدعه يرجع صارخا ساعدني.. ساعدني.. آمنت.. آمنت.. كما قالها فرعون يوم أشرف على الغرق والهلاك!
وأخيرا.. لقد آن لهم أن يسألوهم عن قضية العرب الأولى فلسطين.. أين هم منها الآن بعد أن أجلوا أسلافهم من الحكام العرب وقالوا فيهم ما قالوا من عمالة للاستعمار وخيانة للقضية.
أين فلسطين بعد أن تزعموا هم حركة تحرير الجزء المسلوب منها وتعهدوا به وزعموا أنهم أبناء بجدتها؟
لقد سلب اليهود نصف فلسطين في عهود العمالة والفساد والخيانة – على حد زعمهم الباطل – واستطاعت تلك العهود وأخلافها أن تحتفظ – دون تبجح – بالنصف الثاني نحو عشرين عاما.
وحلت الثورية بديار العرب بزعم أنها القادرة وحدها على انتزاع النصف المسلوب فإذا بها تضيع النصف الباقي بفضل سياستها الهوجاء وجيوشها الضاربة في الفضاء وأسلحتها الروسية.
واستطاع الحكام اللاثوريون أن يمنعوا إسرائيل من المرور في خليج العقبة وقناة السويس أمدا طويلا حتى جاء الثوريون بتصرفاتهم المرتجلة وأرغموا على فتح خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية بل جاء الوقت الذي قبلوا فيه أن يمتنعوا عن الملاحة في قناتهم كإسرائيل سواء بسواء..
إن الهزيمة في الحرب ليست عارا فالدنيا دول والحرب سجال ولكن العار هو الذي ستنتهي إليه القضية إذا بقيت في يد الثوريين يساومون عليها.. ويبيعون ويشترون فيها ثم يقررون مصيرها على ضوء مصالحهم وفي نطاق احتفاظهم بكراسي حكمهم.
نعم لقد آن لشعوبهم أن تناقشهم الحساب وتضعهم في الموضع اللائق بهم..
وآن لملوك وزعماء العرب الآخرين أن يدركوا خطورة الموقف وترك القضية في يد هؤلاء الثوريين يتقاذفونها بين الشرق والغرب يساومون ويكسبون من ورائها ويخسر العرب فلسطين أو الجزء الأكبر والأحسن منها. ويخسر المسلمون هذا الجزء من أعز مقدساتهم ويظل اللاجئون حيث هم تحت حسنات المحسنين ورحمات المتصدقين..
وبعد فإن الحديث في قلب كل مواطن عربي هذه الأيام ذو شجون.
فإذا لم تستطع الشعوب العربية مناقشة حكامها الثوريين رهبة من سلطانهم فلا أقل من أن يتنبه الحكام العرب للتحركات المشبوهة التى تجرى خلف ظهورهم، وأن يأخذوا هم بزمام المبادرة وأن يتولوا بأنفسهم إزالة أثار العدوان دون أن يتيحوا للثوريين فرصة اللعب على الحبال ويقبضوا الثمن مضاعفاً من هنا وهناك ويظلون بإستمرار أسياد الموقف كلما قالوا شيئاً قالت الدول الأخرى وراءهم: آمين .
إن السير خلف هؤلاء القوم لن يقودنا إلى خير وحسبنا هذه النكبة وهذه المرارة التي بات يتجرعها كل عربي وكل مسلم ولنحذر المجاملة ولنكن صرحاء وأقوياء ولنعتمد على الله ثم على أنفسنا والأخوة الإسلامية وإذا لم ننتصر اليوم فسننتصر غداً مادمنا نحس بالهزيمة ونتألم لها ولا نغالط أنفسنا فنزعمها نصراً ونصفق لها ونغني: وانتصرنا.. وانتصرنا.. كما يفعل الآخرون والله معنا ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين..
معلومات أضافية
- العــدد: 2597
- الزاوية: كل اسبوع
- تاريخ النشر:
- الصحيفة: الندوة
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.