نظرات في كتاب أبو طالب مؤمن قريش
تحت تأثير من حب الاستطلاع بحثت في بيروت عن كتاب أبى طالب مؤمن قريش الذي ثارت حوله ضجة كبرى هنا واشتريته ورحت أقرأه فماذا وجدت فيه!؟
وجدت فيه أولاً سباب مقذع وشتائم أقل ما توصف به أنها غير لائقة بأصحاب رسول الله ما كان أغنى المؤلف لو أنه لجأ إلى مقارعة الحجة بالحجة إذ ليس من صفات الناقد الحر والمدافع العادل أن يعتمد على سباب خصومه وشتمهم دون أن يأتي بأي دليل على صحة وجهة نظره ومن العجيب أن شغل هذا السباب المتواصل 87 صفحة من الكتاب ثم امتدت في صفحات أخرى إلى غيرهم من المحدثين والمفسرين كابن المسيب وابن كثير والقرطبي والزمخشري والزجاج.
ووجدت فيه ثانياً انحراف مكشوف في الاستدلال فهو يستدل على كرامة أبى طالب عند الله ومكانته ما كان يحدث لهوازن في حرب الفجار إذ يؤتيها النصر عندما يحضر أبو طالب ومعه الرسول عليه الصلاة والسلام وإذا غابا دارت عليهما الدائرة.
كما يستدل على ذلك بخروج أبى طالب عام القحط ومعه غلام هو محمد عليه الصلاة والسلام إذ لصق ظهر الغلام بالكعبة ولاذ الغلام - أي أشار بإصبعه إلى السماء - كالمتضرع الملتجئ وما في السماء سحاب فأقبل السحاب من ها هنا وهاهنا واخضر الوادي وأخصب النادي والبادي.
والمعروف عند جميع رجال العلم بل وعند كل ذي عقل أن كل ما حل بقريش منذ ولد عليه السلام من بركات وخيرات ومعجزات إنما كان إرهاصا لرسالة محمد بن عبد الله وإيذانا بقرب بعثته.
ولا أدرى كيف استباح المؤلف أن يصرف كل ذلك إلى أبى طالب متجاهلاً وجود محمد الذي اعترفت بوجوده رواية الحوادث.
ووجدت فيه ثالثاً إثارة لخلافات قديمة درست ، وفتنة عمياء سكنت ما أغنى المسلمين – على مختلف مذاهبهم – عن الخوض فيها الآن وقد فرض عليهم تناسى كل خلاف والوقوف صفاً واحداً لصد الهجمات المستمرة على دينهم الخالد ، هجمات الإلحاد والتحلل والانصراف إلى المادية البحتة..
إن أهل السنة من المسلمين في الوقت الحاضر لا ينكرون على علي بن أبى طالب وآله فضلهم ويعرفون لهم قدرهم فلماذا يثير أخونا الخنيزي – وهو من الشيعة في هذا الوقت بالذات أمثال هذه الخلافات التي لم يعد لها مكان بين صفوفنا !؟ لماذا يشعلها حرباً بين السنة والشيعة وقد انطفأت منذ مئات السنين لماذا يعمد إلى شتم عدد كبير من رجال السنة قدماء ومحدثين يحترمهم السنيون في كل مكان؟! هل يريد أن ينبري له واحد منهم أو أكثر فيكيل له الكيل كيلين والصاع صاعين وتشتعل نار الفتنة بين رجال الملة الواحدة؟! ولحساب من؟! ولماذا لا نترك له أمر أبى طالب لله إن شاء نعمه أو شاء عذبه؟! وماذا يضيرنا أو ينفعنا إذا كان مصيره هنا وهناك؟!
ما أحوجنا إلى الانصراف إلى ما هو أهم وأجدى.
ووجدت فيه تخريجاً للأحداث لا يستسيغه العقل السليم وتأويلاً للوقائع يدعو إلى الدهشة.
أبو طالب مؤمن برسالة محمد وهو يكتم إيمانه ويعمى على قريش فيقول «غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب» يعمى على قريش وهو السيد المنيع الجانب القدير على الجهر برأيه والإعلان عن إيمانه في الوقت الذي يعلن ابنه على إيمانه وينضم إلى رفقة محمد وعندما بلغ أباه ذلك يكتفي بالرد عليه «أما أنه لا يدعوك إلا إلى خير فالزمه».
ولا ندرى ما الذى يدفع أبا طالب إلى إخفاء إيمانه والتعمية على قريش؟! وهو السيد المطاع الحامي لمحمد ودعوة محمد!! في الوقت الذي يجهر بالإيمان ويعلنه ويحتمل في سبيله من الأذى مالا يطاق من هم دونه مكانة في قومهم بل المولى والصبيان والنساء من المستضعفين في الأرض؟!.
وأبو طالب مؤمن يستحق الجنة بدليل أن محمد عليه الصلاة والسلام قال «أما والله لأستغفرن لك ولأشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلان» ولا ندرى لم الاستغفار ولم الشفاعة مادامت هذه أعمال أبى طالب لدعوة الإسلام وهو مؤمن.
ثم لماذا جاء بالشطر الأول من قصة الاستغفار وترك الشطر الثاني وهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه «ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم»..
والأعجب من هذا وذاك أن مقدم الكتاب شهد للمؤلف بأن له من خصائص الاستدلال والقياس والخلوص من المقدمات إلى النتائج ما يكفل له النجاح.
ونحن لا نرى في كل ما استدل به أو اعتمد عليه إلا انحرافاً عن الجادة وتحميلاً للمعاني غير ما تحتمل وعلى صورة لا يمكن أن تنطلي لا على جاهل بتاريخ الإسلام وقصة الإسلام.
إننا لسنا بسبيل نفى إيمان أبى طالب أو إثباته لأننا لا نرى أي جدوى بالخوض في مثل هذه الأمور وسواء كان أبو طالب مؤمناً أو غير مؤمن وسواء دخل الجنة أو دخل غيرها فذلك من شأن الله وحده ولن يضير ذلك سيدنا على بن أبى طالب بطل الإسلام وأول من آمن برسالة محمد من الصبيان وزوج فاطمة بنت محمد وأبى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة.. لن يضير ذلك سيدنا على ولا أحداً من آل البيت فكل بما كسب رهين وكلهم موضع القداسة عند جميع المسلمين على مختلف نحلهم.
والشك في مصير أبى طالب ليس منذ عهد معاوية بل بدأ منذ عهد النبي فقد سأله العباس وهو شقيق أبى طالب، سأل النبي - عليه الصلاة والسلام - يا رسول الله أترجو لأبى طالب؟ فكان جواب الرسول: كل الخير أرجو من ربى أو السؤال والجواب صريحان في الشك والأمل لا يصح لاستدلال على إيمان أبى طالب كما فعل المؤلف.
كتبنا هذه الكلمة قبل أن نقرأ البيان الذي نشره المؤلف أخونا عبد الله الخنيزي عن اعتذاره ورجوعه عما جاء بكتابه، وقد رأينا نشر ما كتبناه - رغم صدور البيان - لأن ما أوضحناه من المآخذ على الكتاب فيها إقناع بخطل الرأي أقوى من اعتراف المؤلف الذي قد يفسره بعض قراء الكتاب أنه اعتراف أملته ظروف خاصة.
والله الملهم للصواب.
معلومات أضافية
- العــدد: 6
- الزاوية: غير معروف
- تاريخ النشر:
- الصحيفة: الندوة
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.