من أسلحة الناصرية (2)
أما السلاح الثاني الذي اعتمدت عليه الناصرية في فرض سلطاتها ودعم حكمها فهو الإرهاب.. الإرهاب في قسوة وبكل ما تحمله هاتان الكلمتان من معان.
والمتبع لتاريخ الناصرية منذ ظهورها على يد نبيها الأول والأخير في سنة 1952 يجد أنها اتخذت من الإرهاب وسيلة لكم الأفواه وخفت الأصوات وكتم الأنفاس في دكتاتورية مثالية.
لقد قام بأقسى حملة إرهابية عندما أراد التخلص من الإخوان المسلمين بعد أن يئس من السيطرة عليهم أو سكوتهم عن أعماله على الأقل فدبر لهم قصة محاولة اغتياله بالإسكندرية فاتخذ منها ذريعة لأفظع وأبشع عمليات البطش والانتقام التي عرفها تاريخ مصر الحديث كما يقول الأستاذ أحمد أبو الفتح في كتابه عن عبد الناصر.
ولقد عرف المسلمون في كل مكان قصة تدبير هذه المؤامرة ضد الإخوان وكيف استخدم عبد الناصر في جهاز مخابراته بعض ضباط النازي القدامى لتدريب ضباط السجون على وسائل التعذيب الوحشية التي استعملتها النازية مع اليهود ، ولم يكتف عبد الناصر بما أنزله من وسائل التعذيب والتنكيل بالشباب المؤمن من الإخوان مما لا يتصوره الإنسان بل امتد إلى أسرهم وزوجاتهم وأطفالهم فمن المعروف أن أكثرية الإخوان المسلمين من متوسطي الحال وعندما القوا في غياهب السجون ساءت أحوال أسرهم فتطوع بعض الشبان ممن لا صلة لهم بالجماعة لجمع التبرعات والمعونات من بعضهم البعض لمساعدة هذه الأسر فكان نصيبهم الاعتقال والمحاكمة والحكم عليهم بالسجن والأشغال الشاقة ومصادرة الجنيهات القليلة التي جمعوها.
وليأخذ الإرهاب أبشع صورة أصدرت محكمة عبد الناصر حكماً بإعدام سبعة من أبرز الإخوان على رأسهم المرشد العام للجماعة الذي خفف عنه الحكم ونفذ في الستة الباقين ومن بينهم الشهيدين محمد فرغل الذي أزعج الإنجليز في القنال. وعبد القادر عودة مؤلف أوفى كتاب عن التشريع الجنائي في الإسلام والذي قابل الموت ببسمة وسبق جلاديه إلى حبل المشنقة رافع الرأس مردداً «أن دمى سيكون لعنة على هذا النظام».
وفى هذه المأساة يقول الأستاذ أحمد أبو الفتح وهو شاهد عيان:
«إن الحديث عن مأساة أكثر من خمسين ألف مصري اعتقلهم عبد الناصر وعاملهم أقسى ألوان المعاملة، والحديث عما تعرضت له أسر هذا العدد الضخم من المقبوض عليهم لا ينتهي.. وهو حديث مؤلم وفظيع وحتى الآن لا يزال مئات من الإخوان المسلمين في معسكرات الاعتقال وفى السجون».
وقد سبق هذه الحملة الإرهابية الكبرى بعض تصرفات إرهابية أخرى فقد بدأ بإرهاب العمال عندما أصدر حكماً بإعدام عاملين في قضية إضراب بسيط في كفر الدوار ونفذ الحكم فعلاً.
ثم ظل يعلن عن مؤامرات ضد الحكم ويشكل للمتآمرين محكمة تحكم بأقسى العقوبات من إعدام وتأبيد مع الأعمال الشاقة ويقحم فيها من الأسماء اللامعة كالقائمقام رشاد مهنا ومحمد صلاح الدين وأحمد مرتضى المراغى ويستعمل في اغتصاب الاعترافات من المتهمين أوحش وسائل الإكراه من ضرب وإهانة وإرهاق وحقن بحقن تؤثر على المخ تحمل من يحقن بها على الاعتراف بكل شيء وقد استطاع بهذه الوسيلة إدخال الرعب في صفوف الجيش أيضاً بعد انتشار أخبار وسائل التعذيب أو قسوة الأحكام.
وبعد أن انتهى عبد الناصر من إرهاب الجيش وإرهاب العمال انتقل إلى إرهاب قطاع آخر من الشعب هو قطاع أصحاب الملكيات الكبيرة وقد اختار من بينهم أسرة مشهور بقوة المراس ورهبة الجانب وهى أسرة لملوم واختار من أسرة لملوم شاباً عرف بالشراسة والبطش وهو عدلي لملوم واتهمه بأنه يعارض قانون تحديد الملكية وحاول إذلاله وتحقيره بوضع القيود الحديدية في يديه ورجليه والطواف به في شوارع بلدته ونشر صوره على هذه الصورة بالصحف ثم نشر صوره وهو في الليمان يقطع الصخر بجانب المحكوم عليهم من المجرمين فكانت وسيلة جديدة لإرهاب من تسول له نفسه التمرد أو معارضة النظام القائم.
ثم اتبع ذلك بمحاكم الغدر ومحاكم الثورة التي «مرمط» فيها عدداً كبيراً من السياسيين ورجال الحكم السابق وأهانهم أمام الشعب وكان الهدف من هذه المحاكمات إرهاب أولئك السياسيين ورجال العهد السابق من ناحية، ومن ناحية أخرى إرهاب الشعب، بما يقع لساداته ووجهائه.
ونجح هذا السلاح أيضاً كسابقه وإلى كلمة أخرى عن سلاح آخر من هذا النوع.
صالح محمد جمال
معلومات أضافية
- العــدد: 3
- الزاوية: كل صباح
- تاريخ النشر:
- الصحيفة: الندوة
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.