بدل سكن الأطباء
عندما تم تحديد بدل إسكان الأطباء السعوديين بمائة ألف ريال لم يكن ذلك – بلا شك – ارتجالا أو بدون دراسة أو مجاملة لأحد، بل لابد أن الجهة التي حددت ذلك وهي أعتقد ديوان الخدمة المدنية – قامت بدراسة متأنية، وراعت في تقديرها السنوات الطويلة التي قضاها الطبيب في الدراسة وبالتالي الظروف الحياتية والمعيشية والوظيفية التي يعيش فيها بعد تخرجه والصورة التي لا تتناسب مع ما بذله من جهود وسنوات عمر وسهر لا يستطيع أن يدعي أي متخرج ولو حمل نفس الدرجة – إلا إن كان ذلك مكابرة – أنه بذل نفس الجهود ونفس السنوات.. فالطبيب – والكل يعرف أنه يمضي سبع سنوات كاملة في الحصول على البكالوريوس وخمسا أو ست سنوات أخرى للحصول على شهادة التخصص في أقل الأحوال، ولا أعتقد أن متخرجا عدا الطبيب مهما كان التخصص المهم الذي تخرج فيه قد بذل مثله إلا إذا كان قد مني بسنوات رسوب غير عادية.
ومن المعروف أيضا أن الطبيب السعودي قد حرم من العمل الحر – أي افتتاح عيادة خاصة به – يمكن أن تدر عليه عائدا كبيرا وأعطى بدل تفرغ لا يعادل شيئا بالنسبة لما كان سيحصل عليه لو سمح له بفتح عيادة خاصة والأعجب من ذلك أنه سمح لغيره من الخريجين كالمهندسين والمحاسبين بالعمل الحر وحرم الطبيب من ذلك وما أريد أن أكشف بحسبه بسيطة مدى الفرق الكبير بين بدل التفرغ وإيراد العيادة الخاصة لئلا يفسر ذلك بأنه حسد لأصحاب العيادات الخاصة وهم في نظري يستاهلون كل خير مقابل ما بذلوا من جهد وسهر وتضحية في سبيل هذه المهنة الإنسانية.. ولكني أذكر مثلاً قديماً عندما سنت الدولة نظام التفرغ استقال طبيب صديق من العمل بمستشفيات الحكومة وعندما سألته لماذا؟! قال أنه يحصل من عيادته الخاصة التي كانت مفتوحة وطلب منه قفلها مقابل بدل التفرغ وكان يفتحها بعد الظهر فقط – سبعمائة ريال في اليوم، وكانت تعريفة الكشف على المريض يومذاك عشرة ريالات فقط، وأنه لو فتحها طيلة النهار لحصل على ضعف هذا المبلغ على الأقل فكيف يقفلها؟ ويرضى ببدل التفرغ البسيط الذي كان لا يعادل يومها مع الراتب أكثر من سبعة آلاف مقابل ضياع 140 مريضاً في اليوم×10ريال×30 يوماً= 42000ريال .. ولهذا أثر الاستقالة والتفرغ لعيادته.. هذا كان يومذاك..
فماذا يقول طبيب اليوم وقد أصبحت تعريفة الكشف مائة ريال؟
ألا يحق له أن يتعجل أداء المدة المتوجبة عليه ليتخلص من الوظيفة المحدودة الدخل؟!
ألا يمكن أن يفكر في هجر هذا العمل الإنساني إلى التجارة أية تجارة بصرف النظر عن تجارة الأراضي التي أصبحت حلم الأجيال ولتجارها قصصا أغرب من الخيال؟
لا شك أن الجهة التي حددت بدل السكن للطبيب السعودي قدرت هذا وأرادت أن تعوض الطبيب عما خسره من شبابه ودخله طالما أنه في السلم الوظيفي لا ميزة له ويتساوى مع حملة الشهادة المماثلة مهما كانت مادة تخرجه.
ولقد كان لهذا التقدير أثره السحري في استقطاب عدد من الأطباء السعوديين وبقائهم على العمل في مستشفيات وزارة الصحة بعد أن كانوا يتهربون منها ويلتحقون بمستشفيات أخرى تمنح امتيازات أفضل وأقرب مثل على ذلك مستشفي جدة الجديد الذي أصبحت به نسبة كبيرة بالنسبة للمستشفيات الأخرى من الأطباء السعوديين.
والطبيب في كل الدنيا له مكانة خاصة وحرية في الكسب المشروع وهو يقدم خدمة إنسانية لبني جنسه ودخله مرتفع في كل مكان وفاق ما قدم من عناء وجهد في سبيل الدراسة والتحصيل.
والمطلوب من وزارة الصحة وكل جهة تستخدم الأطباء وخاصة الجامعات، أن تدافع عن حقوق هذا الفريق من المواطنين التابعين لها وأن ترفض أية مقارنة بينهم وبين أي خريج أو أي موظف آخر حفاظا على استمرارهم ووجود المزيد منهم لأننا ما زلنا في حاجة إلى الآلاف منهم وليس المئات كبلد نام ما زال في أول الطريق نحو الاكتفاء الذاتي في كثير من مجالات الحياة.
أما القول بأن المستشفيات الكبرى الجديدة قد روعي في إنشائها تأمين سكن للعاملين فيها من الأطباء وغيرهم فإنه في الإمكان الاستفادة منها في إسكان المتعاقدين بدلا عن البدل النقدي الذي يصرف لهم.. أما فكرة تأمين السكن العيني للأطباء السعوديين فإننا نعتقد أنه سيكلف كثيرا وكلنا يعرف أسلوب التأمين وكيف يتم ولسنا في حاجة للتصريح بأكثر من ذلك.
والله الموفق.
معلومات أضافية
- العــدد: 79
- الزاوية: كل اسبوع
- تاريخ النشر:
- الصحيفة: عكاظ
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.