مؤسسات الطوافة.. وتطور خدمة الحجاج
فكرة تحويل خدمة الحجاج إلي خدمة جماعية واختيار نظام المؤسسات لتنفيذ هذه الفكرة هي عملية ناجحة حتى الأن بنسبة 90% تقريبا وخلال سنتين أو ثلاث يمكن وصول نسبة هذا النجاح إلي 100% بعد تلافي بعض السلبيات بالتنظيم الدقيق.
وأبرز صور النجاح هو تحسين الخدمة بشكل ملحوظ وكل ما يظهر من سلبيات الآن إنما هو نسبي بالنسبة لما كان يقع في نظام خدمة الأفراد. فقد كانت تلك السلبيات أكثر بكثير مما هي عليه الآن. ولكنها غير ملحوظة ولا ظاهرة ويستحيل تسجيلها بحكم توزعها على أكثر من ألف مطوف وتعذر إكتشافها في زحمة الحج مهما تضخمت أجهزة الرقابة.
ثم تأتي بعد ذلك صورة الحفاظ على ثروة وطنية لا يستهان بها كانت تذهب خارج البلاد وأصبحت الأن داخل البلاد كدخول لفئة كبيرة من أبنائها وهم المطوفون والوكلاء والزمازمة والأدلاء والذين يمثلون مع أسرهم والعاملين معهم أعداداً ضخمة من المواطنين لا يقلون عن 50% من سكان المدن الثلاث مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة
هذه الثروة كانت ضائعة على السماسرة من ( حملدارية ) قادة قوافل الحجاج ورؤساء البعثات ومكاتب السياحة ممن كانوا يوجهون حجاج بلادهم الي المطوف ( الذي يدفع أكثر ) دون أي حساب لحسن خدمة الحجاج أو رعايته لهم طالما أن هناك من يملا الجيب وكأن المطوف في ذلك النظام هو القاعدة وهو الأمام وبقية أرباب الطوائف الأخرى تابعون له فيوكل في جده من يدفع له أكثر ويوجه حجاجه الي الزمزمي أو الدليل الذي يريده وهو طبعا من يدفع أكثر.
بدأ بهذا الأسلوب عدد ضئيل من المطوفين واضطر كثير آخرون أن يقتدوا بهم ويسيروا في ركابهم حرصا على مصالحهم وضاع فريق كبير ممن تمسك بالمبادئ ورفض العمل في خدمة الحجاج بهذا الأسلوب الرخيص، أسلوب الدفع للحصول على الحاج من السماسرة من الأصناف التي أشرت إليها ثم إهمال خدمة وعدم رعاية طالما أنه جاء بالمقابل وسيجئ غيره في المستقبل بنفس الطريقة.
وإستأثر عدد محدود من المطوفين بأعداد كبيرة من الحجاج وقنع البعض بالسير من الحجاج وترك الخدمة أعداد كبيرة من أبناء هذه الطوائف لترفعهم عن هذه الأعمال وخوفهم من الله.
وإلقاء نظرة بسيطة على بيانات المطوفين العاملين فعلاً في خدمة الحجاج قبل المؤسسات وما قبل ذلك – أي عندما بدأت خطوات الإصلاح بوضع نظام المتوسطات – يظهر الفرق الشاسع بين عدد العاملين يومئذ والعاملين الآن والمستفيدين تلك السنوات والمستفيدين الآن والعوائد التي يحققها المواطنون في العهدين فقد كان نصيب الأسد من هذه العوائد يذهب إلي جيوب السماسرة ويخرج من البلاد ولا يبقي إلا الفتات لمن لم يكن له مورد إلا مهنة خدمة الحجاج فقنع به مضطراً وانصرفت الأكثرية إلي أعمال أخرى.
نعم أستطيع أن أذكر أن الخدمة تحسنت كثيراً وأحس بها أكثرية الحجاج وأكثرية العاملين في خدمة الحجاج في نظام المؤسسات ولكن لكل عمل جديد خصوم ومعارضون ممن نقصت مصالحهم من مختلف النواحي وهم رغم قلتهم فأن ضجيجهم وصوتهم عاليا.
فمن بين المطوفين عدد- وإن كان ضئيلا – تضرروا من قيام المؤسسات بعد أن كان لهم نصيب الأسد وإن كان بعضهم يخرج من موسم الحج مديناً وقد يودع السجن بعد مطالبته من ملاك المساكن أو الخيام، فراحوا يخاصمون الفكرة ويشنعون عليها بل ويعملون من داخلها على إفشالها، والسماسرة على مختلف صورهم حرموا نهائيا من السوق الذي كانوا (يبيعون) فيه الحجاج بسعر يكبر كل عام بزيادة التنافس بين المطوفين بل بين الشقيقين منهم إلي درجة أصبحت لا تطاق.
صحيح أن هناك بعض السلبيات أو النواقص يمكن إستكمالها من حصيلة التجارب والتغلب عليها بالتنظيم نذكر منها:
1- إصرار أعداد هائلة من الحجاج على عدم إستئجار مساكن بمكة وإفتراش الشوارع والكباري والأنفاق والأرصفة والمساجد وهذا لا ذنب للمؤسسات فيه ولكن ينبغي وضع تنظيم يحمي هؤلاء الحجاج من أنفسهم ويحفظ سمعة البلاد من هذا الوضع غير اللائق.
2- إصرار فريق آخر منهم على السكني بمعرفتهم والبحث عن أرخص مسكن ولو كان في رأس جبل أو غير صالح لسكني بني آدم – وحينئذ يتعذر الإشراف على خدمتهم ورعايتهم وهم موزعون على مئات المساكن في عشرات المناطق دون تنظيم.
3- ما يفعله بعض المتكسبين بالحجاج من رؤساء وجمعيات ومكاتب السياحة عندما يستأجرون داراً لا تتسع لمائة حاج ويسكنون بها مائتين عند وصولهم ويحشرونهم حشراً ثم ينسبون ذلك إلي المؤسسات وهي منها براء
4- نقل الحجاج على ردين إلي المشاعر وما يسببه ذلك من غضب الحجاج ورغبة كل منهم أن ينقل في الرد الأول وتزاحمهم على السيارات بعنف تعجز المؤسسة عن التغلب عليه
5- تحديد سكان الخيمة بعشرة أشخاص – وهو عدد كبير – ويجب ألا يزيد على سبعة أو ثمانية أشخاص على الأكثر بينما يحاول الحجاج أن يتوسعوا فيحتل منهم خمسة أو ستة أشخاص الخيمة ويقع النقص في الخيام بالمشاعر ويتأذى بقية الحجاج وخاصة في النهار عندما تكون الشمس محرقة ويلصق كل ذلك بالمؤسسة أو المطوفين وهم أيضاً من ذلك براء.
6- عدم تنظيم إسكان الحجاج في مكة المكرمة والخيام حيث ينزلون من السيارات ويحتلون الأماكن بدون تنظيم ويتوسعون أيضاً ويظل بقية أخوانهم بدون مسكن وتقوم قيامتهم ويرفضون أي كلام من المسئولين عن الإسكان في مكاتب الخدم والموقف السلبي الذي تقفه البعثات الرسمية من هذه المشكلة والتي هي أقدر على إفهامهم بالحقائق وهي التي استأجرت لهم المساكن.
7- ضيق مساحة أرض مني عن إستيعاب عدد الحجاج واضطرار المؤسسات إلي إقامة خيام أقل عدداً مما أقيم في عرفات وتكدس الحجاج في الخيام وتضايقهم من هذا الوضع ولا يجدون من ينحون عليه باللائمة سوى المؤسسات والمطوفين.
ولعله مما يلفت الانتباه ويثير الدهشة هذه الضجة المفتعلة التي تثار كل عام تستنكر محاولة المؤسسات لتحقيق أرباح معقولة مشروعة من أعمال خدمة الحجاج لمساهميها فمنذ مئات السنين وأبناء مكة المكرمة والمدينة المنورة وجده يحققون مثل هذه الأرباح في مختلف المجالات في خدمة الحجاج وهي أرباح مشروعة في كل بلد من بلاد الله ولا تقابل بهذا الموقف الذي تقابل به أرباح المطوفين وأرباب الخدمات وكأنها ليست مقابل عمل وسهر وجهد مضني في مواسم الحج. وقد كانت هذه الأرباح تذهب إلي جيوب عدد محدود من فريق المحتكرين للمتاجرة بالمساكن وأصبحت الأن تذهب إلي آلاف المساهمين من المطوفين والعاملين في خدمة الحجاج وتحسين أوضاع الخدمة وتطويرها.
ولكن المتضررين من هذا الأسلوب الجديد شنوها حرباً شعواء عليها وفي الكلمات القادمة سوف نعالج – بإذن الله وعونه – هذه السلبيات ووسائل التغلب عليها.
والله من وراء القصد.
معلومات أضافية
- العــدد: 107
- الزاوية: كل يوم إثنين
- تاريخ النشر:
- الصحيفة: الندوة
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.