لن يموت من خلَّف
ترجع معرفتي بأخي وصديقي السيد على حافظ- وأقول معرفتي مجرد معرفة- يوم أن كان رئيساً لكتاب المحكمة الشرعية الكبرى بالمدينة المنورة وكنت قائماً بأعمال رئيس كتاب المحكمة الشرعية الكبرى بمكة المكرمة وذلك في أوائل الستينات الهجرية- كما أعتقد- ولكنني لم ألتق ونتفيأ معاً ظلال المودة والأخوة الصادقة إلا بعد أن دخلت أنا ميدان الصحافة الذي سبقني هو إليه.
فكان اللقاء الأول في رحلة إلي العراق الشقيق في عهد الملك فيصل الثاني ملك العراق مثل هو جريدة المدينة ومثلت أنا جريدة حراء ومثل الأستاذ فؤاد شاكر- رحمه الله- جريدة البلاد السعودية يوم لم تكن في هذه البلاد غير هذه الثلاث الصحف بإستثناء جريدة أم القرى الرسمية.
سافرنا إلي العراق بدعوة من حكومتها لحضور احتفالات مجلس الأعمار العراقي بتدشين عدد من المشروعات العمرانية والصناعية الضخمة في مختلف مدن العراق منها بغداد والموصل وكركوك ومنطقة السليمانية حيث يقطن أكراد العراق والنجف وبابل وإيوان كسري وسامراء ومدن أخرى لا أذكرهما الآن وكان ذلك في أواخر شعبان عام 1376 ﻫ وصمنا أول يوم من رمضان في بغداد.
وفي هذه الرحلة القصيرة اكتشفت في الصديق الفقيد روح المودة وحسن الرفقة وتوطدت بيننا أواصر المحبة والإخاء ثم جمعتنا رحلة أخرى في عام 1380 ﻫ بدعوة من حكومة الهند وكان ثالثنا الأخ الحبيب السيد ياسين طه وكانت رحلة ممتعة مثلنا فيها نفس الصحف وكان ممثل جريدة البلاد هو الأخ الكريم السيد ياسين طه، أما أنا فقد كنت أمثل جريدة الندوة بعد دمج حراء فيها.
وزرنا فيها نيودلهي وبومباي- حيث إلتقينا بالوجيه السعودي مؤسس مدارس الفلاح الشيخ محمد على زينل- تغمده الله برحماته وأحسن جزاءه الذي أكرمنا ولازمنا طيلة بقائنا في بومباي- كما زرنا كلكتا ومدراس وميسوري وكشمير.
وكانت رحلة رائعة توطدت فيها أواصر الصداقة والمودة بيني وبين الفقيد العزيز وظللنا نجتمع ونلتقي هنا وهناك في المملكة في اللقاءات الصحفية وهناك في لبنان حيث كنا نقضي أجمل أيام الصيف بين بحمدون وعالية ونبع الصفا ونبع الباروك وخرير مياه زحلة وآثار بعلبك، ونتزاور ونتبادل أطراف الأحاديث.. أحاديث المودة والإخاء.
ليست هذه المقدمة مهمة بل مجرد ذكريات هاجت بها نفسي عندما فجعت بوفاة الصديق الحبيب السيد على حافظ ولكني أريد أن أخلص إلي حقيقتين عرفتهما في هذا الفقيد الكريم.
الأولي: أنه رجل خير ومخلص لوطنه ودينه فمنذ شبابه الباكر أنشأ مع شقيقه الأستاذ عثمان حافظ مدرسة الصحراء بالمسيجيد بطريق المدينة وعاني في سبيل إنشائها وبقائها وهي أول مدرسة أنشئت في البادية وتخرج منها رجال.
ونفس المعاناة وفي نفس المجال أسساً جريدة المدينة ومطابعها بالمدينة المنورة وقصتهما معها طويلة ولكنها معروفة ومقدرة ومسجلة في دائرة الزمن
الثانية: أنه رجل وفاء لا ينسي أخاً أو صديقاً يسأل عن إخوانه وأصدقائه دائماً يسعي في حاجة المحتاج منهم.. يتوسط لهم يتفقد أحوالهم.. كل هذا في زمن قل فيه الوفاء.
إن جريدة المدينة ستظل رمزاً لكفاح الأخوين السيدين على وعثمان حافظ ودار الشرق الأوسط وما صدر ويصدر عنها من صحف هي ثمرة من ثمرات تلك الجهود الخيرة التي غرسها الصديقان في أولادهم فأتت أكلها بإذن ربها.
ولا أملك في ختام هذه الكلمة إلا أن أدعو الله أن يتغمد فقيدنا بل فقيد الصحافة السعودية بواسع رحماته وأن يجزل له الجزاء كفاء ما قدم لبلده وأمته.. وأن يبارك في خلفه ويمدهم بروحه ويجعلهم خير خلف لخير سلف وصدق من قال: ما مات من خلف..
وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد..
معلومات أضافية
- العــدد: 8878
- الزاوية: كل يوم إثنين
- تاريخ النشر:
- الصحيفة: الندوة
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.