تحديد عدد الحجاج
الحديث القيم الذي سبق أن أدلى به سمو الأمير نايف بن عبد العزيز وشاهده مشاهدو التليفزيون وقرأه قراء الصحف كان موضع إعجاب الجميع لما أتسم به من الصراحة والوضوح والرد على الأسئلة التي وجهها إلى سموه المشتركان في المؤتمر بما يشفي الصدور ويضع النقاط على الحروف.
ولقد استوقفتني نقطة هامة أثارها الصديق الأستاذ محمد على حافظ هي نقطة تزايد الحجاج عاماً بعد عام واحتمال ضيق الإمكانيات والمشاعر عن أداء الخدمة المطلوبة على الصورة التي تريدها البلاد حكومة وشعباً لوفود بيت الله الحرام.
وجاء رد سموه الحكيم الصريح «قد نعمد إلى تحديد نسبة الحجاج القادمين والمواطنين».
والفكرة وجيهة وضرورية وإن كان بعض الناس لا يوافق عليها بحجة أن كل شىء ممكن.. وإننا نستطيع أن نجابه كل زيادة مهما بلغت بطرق تحت الأرض وطرق فوق الأرض وهدميات وتوسعات وربما إجراء الأنهار وهي تصورات فيها شىء من المبالغة كما نعتقد.
والعقبة الكؤود في نظرنا لتحقيق فكرة التحديد هي إننا بلد إسلامي بل قبلة العالم الإسلامي والحج فريضة وهو إلى جانب ذلك موسم اقتصادي له تأثير على إنعاش التجارة ورفع المستوى المعيشي لبعض فئات الشعب ومن الصعب جداً الأقدام على التحديد بصورة مباشرة قد تكون موضع الانتقاد في الخارج والداخل..ومن الأسباب التي تجعل مهمة الدولة – حكومة وشعباً – في تحقيق أفضل الخدمات للحجاج صعبة للغاية، هي أن أكثرية الحجاج ليسوا على المستوى الإسلامي وعياً وإدراكاً لحقيقة الحج وحكمة مشروعيته بل يندفعون إلى أداء هذه الفريضة بعاطفة دينية بحتة لا تفكر في العواقب ولا يعدون للحج عدته من شروط الوجوب وهي الاستطاعة من زاد وراحلة وقدرة فيقدم على الخروج للحج بإغراء من أصحاب السيارات والبواخر المرضى والفقراء والذين لا يجدون القدرة فيسكنون الطرقات ويملأون المستشفيات ويتيهون في منى وعرفات وتعجز كل الإمكانيات عن توجيههم والسير بهم في الطريق الصحيح، فلو كان الحجاج على قدر كاف من الوعي والقدرة المتوفرة لدى السياح في العالم لامكن بالتنظيم وحسن الإدارة تسيير أعمال الحج مهما بلغ العدد، أما والوضع كما أشرنا إليه فإننا حتماً سنعجز عن التنظيم وبالتالي ستضيق الإمكانيات..
والوسيلة الوحيدة لتحديد عدد الحجاج هي العودة إلى اشتراط ما اشترطه الإسلام في الحاج ألا وهي الاستطاعة بجميع صورها من زاد وراحلة وقدرة تسهل عليه الحج وتمنعه من إيذاء الآخرين.
وهذا الشرط بصرف النظر عن كونه واجب التنفيذ دينياً فإنه يقع حماية وتكريماً للحاج من الابتذال والامتهان والتسكع في الشوارع والطرقات والتعرض لسوء التغذية الذي يؤدى إلى مختلف الأمراض والمتاعب.
إنني معجب جداً بطريقة حج حجاج إيران وجنوب أفريقيا الذين لا يقدمون على الحج إلا بعد أن يستعدوا له بكل ما يحقق راحتهم وأداء نسكهم في يسر وطمأنينة وتساعدهم حكوماتهم على ذلك.
فلو أننا قدرنا نفقة الحاج في المتوسط على ضوء ما ينفقه حجاج إيران وجنوب أفريقيا واشترطنا منح تأشيرة الحج على وجوب إبراز الحاج شيكاً بجميع نفقاته نكون حينئذ قد حددنا عدد الحجاج بطريق غير مباشر من ناحية ومن ناحية أخرى استطعنا إدارة وتنظيم أي عدد يصل إلينا لديه القدرة والوعي والإدراك لمسئولياته بدلاً من هذه الأفواج التي تخرج وكأنها خارجة في جهاد لا يهمها على أي وجه كان مصرعها.. جوعاً أو مرضاً.. أو عدم وعى وإدراك.
إنها فكرة قابلة للنقاش والدراسة نضعها تحت أنظار لجنة الحج العليا التي أخذت على مسئوليتها بتنظيم أعمال الحج وتحسين أوضاعه ونسأل الله لها التوفيق.
معلومات أضافية
- العــدد: 12
- الزاوية: كل خميس
- تاريخ النشر:
- الصحيفة: المدينة
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.