خداع المظهر، مشكلة يكتوي بنارها كثير من الناس لاسيما في هذا الزمان الذي أصبحت فيه الحدود الفاصلة بين الفضيلة والرذيلة أدق من الشعرة.

فالواحد منا يرى إنسانا فيعجب بأخلاقه، ويخدعه ظاهره، وما يتشدق به - بمناسبة وبغير مناسبة - من ذم الرذائل والثناء على الفضائل فيخاله إنساناً فاضلاً، ويرفعه إلى المكانة اللائقة بالإنسان الفاضل وقد يدفعه حماسه إلى الدفاع عنه إذا ما حيكت حوله تهم أو حامت حوله شبهات، دفاع المؤمن بما يقول ويدور الفلك دورة قصيرة فقط فإذا ما كنا نحسبه ماء لم يكن سوي سراب خادع، وإذا بالهيكل الذي كنا نقدس فيه الفضيلة عامر بكل شئ إلا الفضيلة، وإذا بالصرح الأخلاقي الموهوم ينهار وكأنما كنا في حلم لذيذ انتبهنا منه على يقظة مفزعة وواقع مرير، وإذا بنا أمام وكر من أقذر أوكار الرذيلة.

ثم يرى الناس إنساناً يدل ظاهرة على التقوى والصلاح يحافظ على الصلوات الخمس ويتنفل كثيراً حتى تنطبع على جبهته آثار السجود، وإذا تحدث فكل حديثه عن الأمانة والرزق الحلال والتنديد بمن لا يتورعون عن أكل الحرام، فإذا الناس أمام هذه المظاهر لا يجدون بداً من وضع ثقتهم به وترشيحه لكل عمل خيري أو إصلاحي ويصل هذا الإنسان إلي المكانة التي يصبو إليها في قلوب الناس الذين يقول عنهم الشاعر:

والناس من يلق خيراً قائلون له ما يشتهي ولأم المخطئ الهبل

وتدور عجلة الزمن ويأتي من الحوادث ما يكشف عن خبيئة نفس هذا الإنسان فإذا به يرى أن من الأمانة أن يجر النفع إلي أهله وذوبه على حساب أولئك الذين وضعوا ثقتهم فيه، وإذا به يرى أن من تقوي الله غض الطرف عن هفوات هؤلاء الأقارب والأصدقاء وعدم محاسبتهم عليها. وإذا به يري أن الربح ليس نوعين حلالاً وحراماً بل حلال على العموم بصرف النظر عن الوسيلة مادام أن الله قد أحل البيع وحرم الربا..

وهكذا تكون النتيجة صدمة قاسية لأولئك الناس الذين رأوا القبة فظنوها مزاراً ولم يدر بخلدهم أن كثيراً من هذه القبب ظاهرها فيه الرحمة وباطنها كثير من العذاب. هذان مظهران من المظاهر الخادعة في الحياة وهي كثيرة في حياتنا العامة يستطيع أن يكتشفها الإنسان على ضوء هذين المظهرين البارزين. فحذار أيها القارئ العزيز أن تذهب ضحية هذه الظاهرة المؤلمة. وأنتم أيها المخادعون حسبكم إثما ما أنتم منطوون عليه فلا تحاولوا خداع الناس فتتحملوا أوزارهم مع أوزاركم.