القائمة الرئيسية
بـحـــث
المتواجـــــدون الآن
يوجد حاليا 108 زوار المتواجدين الآن بالموقع
الأحد, 17 فبراير 2013 20:32

الصحف والمجلات السعودية .. بين الأمس واليوم

قييم هذا الموضوع
(0 تقيم)

هذا بحث تاريخي ممتع طريف لا يكتبه إلا مثل سعادة شاعرنا الكبير أستاذنا الشيخ أحمد بن إبراهيم الغزاوي.. علماًً وأدباً (وعمراً!!).. وقلماً سيالاً.. وذاكرة حافظة، تهديه إلى قراء "المدينة" راجين معهم أن يكون هذا البحث النفيس أول الغيث.. وفاتحة خير عميم من أستاذنا الكبير..

عرفت الحياة – أول النشأة – في أقدس بقاع الأرض – وبجوار بيت الله العتيق في غضون العشرة الثانية من هذا القرن – وعلى وجه التحديد – في ربيع الأول سنة 1318ﻫ.. ما أن عقلت الأشياء وميزتها حتى تميز الزمان عندي كغيري من أهل بلدي بحوادث بارزة ذات (طنطنة – وشنشنة) ومن أولها – زينة – عظيمة.. جداً أقيمت منتصف عام 1325ﻫ وقد كنت خلالها – طفلاً صغيراً – ومع ذلك ما أزال استحضر في مخيلتي (مناظرها) ومظاهرها.. وملاعبها وضواءها.. وأقواسها في طول مكة وعرضها.. وما كانت الأضواء وقتها إلا بالقناديل الزجاج الصغيرة.. تصف في أشكال بديعة وتوقد (بالزيت).. (الزيت الطيب) وتلا ذلك ما أطلق عليه الناس – بحرب القبوري – في أول عام 1326 هـ وهي أشباه بالهوشات الحاروية منها بالحرب وإنما كانت حركة تمرد محدودة.. ومفاجأة نشأت من جزاء تدخل الحكومة التركية في ضرورة الكشف على الأموات أيا كانوا من الجنسين قبل الدفن. وضرورة استيفاء ضريبة معينة على كل ميت.. والإجراء الأول كان يستهدف التثبت من أن المريض مات موتاً عادياً لا دخل للجريمة فيه من حيث النظر الطبي.. دون الاكتفاء بمجرد رخصة الدفن كما كان قبله الحال!.. وبضم ذلك إلى الاتجاه الثاني.. ومضايقة لمن كانوا يرون أنفسهم أهل المصلحة فقط دون سواهم في الأموات.. وإنهم بعد أن تصعد أرواحهم وبعد أن يكونوا من أصحاب القبور.. فهم منهم وإليهم.. ولا يقبلون منازعاً أو معارضاً في ذلك بعد أن مضى على ذلك عملهم.. منذ قرون مديدة وقد قررهم في ذلك أمراء مكة القدامى..

وبما هو معروف من تنازع السلطة بين الولاة الأتراك والأمراء الأشراف.. وتجاذب أطرافها وأوساطها بين الفريقين.. نشبت تلك (الحرب) أو (الهوشة) كما قلت: احتجاجاً على ما سبق ذكره.. وكنت آنئذ أقرأ في كتاب المرحوم الشيخ إبراهيم فودة – والد المرحوم العلامة الشيخ محمد أمين فودة.. وجد سعادة الأستاذ إبراهيم أمين فودة الكاتب الشاعر الأديب الخطيب بارك الله فيه وكان نشوبها عصر يوم الخميس.. قبيل انصرافنا من الكتاب.. وحضر أحد أعمامي على الفور وأخذ بيدي إلى المنزل من أجياد إلى (سويقة) في زقاق كان يطلق عليه – زقاق الدعوجي – وقد زال أثره كلياً بعد هدميات توسعة المسجد الحرام.. مما يلي "المروة" ويعرفه جارنا إذ ذاك الصحفي العجوز.. أو المؤرخ الكبير سيدنا الشيخ "أحمد السباعي" لأنه كان – فيما أظن – ممن يلعب – البارجوه – أو – البره جوه - ! فيه أو حوله.. "وكأني به يبادر إلى التصويب غير المطبعي من حيث السن.. وأنه ما يزال آنئذ في عالم الغيب.. ولما يظهر إلى الوجود.. وله ما أراده.. وما شهدنا إلا بما علمنا!".

سيل الخديوي الذي لم يتكرر

وأعود فأقول هاتان الظاهرتان البارزتان هما اللتان أدركتهما من الأحداث في مكة.. وتلا ذلك الحادث الثالث الذي لم يتكرر مثله إلا في عام الستين بعد الثلثمائة والألف.. وهو ما يسميه أهل مكة.. "سيل الخديوي" وقد غمر (المسجد الحرام) وجعله بحراً متلاطم الأمواج.. وكان ذلك عام 1327ﻫ حيث حج فيه (سمو الخديوي عباس الثاني).. وبعد ارتحاله والحجاج إلى ديارهم بمدة وجيزة.. وقع هذا الحادث الذي لم يشهد سكان مكة قبله مثيلاً له خلال قرنين أو أكثر.. ومن أجل ذلك أطلقوا عليه "سيل الخديوي".. تمييزاً له عن غيره من السيول.. أو تكريماً؟!

سيل بلا مطر

والعجيب في أمر هذا السيل الجارف الذي شهدته يتدفق من أعلى درجات باب الزيادة وباب الباسطية وباب العتيق.. ويخرج من كل نافذة.. وكل باب يعتليه.. ويربو عليه أو يطفو منه.. إنه كان "سيلا" بلا مطر!! وتفسير ذلك أن سحابه إنما انهمر.. وتدفق وأحاط بأم القرى من أعاليها.. أي من المحصب – والأبطح – و (العدل) وسفوح الجبال الشامخة وأقبل يزمجر ويهدر ويجرف معه كل ما صدفه من خلق الله – ومن محتويات الدكاكين المنخفضة.. عبر المعابدة وسوق المعلاة.. والقشاشية.. والسوق الصغير وكنت واقفاً أنظر إليه من جهة (باب العمرة).. وهو يندفع كأقوى ما تكون الفيضانات النهرية الكبرى.. إلى (الهجلة) والمسفلة.. وكان موقفاً باكياً ضاحكاً.. أو مبكياً مضحكاً في آن واحد.. فقد كانت بعض جمال الفاكهة محملة.. بأوساقها من الصناديق أو الأكياس تطفو وترسب وتعلو وتهبط وأصحابها منهم من تعلق فوق بضاعته – مستصرخاً – بمن ينقذوه.. ومنهم من جره السيل.. وما له وراءه أو أمامه! وكأن الجمال – غير الأفيلة – لا تجيد السباحة.. فهي في أمر حريج من هذه القوة الجارفة الخارقة.. وهناك الدكاك.. المزخرفة.. التي كان السمانة قد بدؤوا يجعلون منها تحفة فنية في شكلها وصفها ورصفها وتطعيمها بالصفر المختلف الألوان والأحجام.. نعم كانت تعوم هي الأخرى.. وفوقها.. طيس السمن والزيت والطحينة.. والقطر.. فهي تارة تعلو وأخرى تهبط.. ومرة تغوص وأخرى تترجح يميناً وشمالاً.... فأما غير ذلك فحدث عن البحر ولا حرج.. فيما أتى عليه وجرفه معه إلى (قوز المكاسة) – لا النكاسة – كما يقول البعض خطأ!..

ولست بصدد تقديم الأسباب مفصلة في الحادث الأول... والثاني.. وما كان بينهما من تطورات هامة قاسية زاجرة رادعة.. وإن كنت أفضت قليلاً في الحادث الثالث... وأغفلت نتائجه المدمرة في عين زبيدة وما سببه من أزمة خانقة في الماء.. وما خلفه بالمسجد الحرام من كل ما قشه.. وحاشه وناشه.. في انطلاقه الجبار.. مما اضطر أمير مكة – ورؤساءها وعلماءها وخاصتها وعامتها إلى العمل في تطهير (المسجد.. ورحباته.. وبطونه وظهوره.. من الأتربة والأقذار والحصى والقذى والحجار.. مدة أكثر من شهر متوال يتعاقب فيه العمل ليل نهار!!

أقول أنني لست بسبيل ذلك.. وإنما جاء ما ذكرته آنفا بصورة عفوية.. فما كان لي من أرب في هذا لولا أن (الفكرة) التي أريد أن أخلص إليها وأتحدث عنها إلى (قراء المدينة)... تبتدئ من هذا العصر 1318، 1384ﻫ.. وما بينهما، وهي محصورة في استقراء حركة التطور الصحفي في بلادنا.. وعرضها في إيجاز واختصار مع إشادة بالمستوى الذي بلغته اليوم.. وما يرجى لها من تقدم مضطرد في المستقبل القريب إن شاء الله.

مليونير بهللة

في ذلك الوقت.. أو تلك الحقبة – كان لي عم موظف في مطبعة الحكومة وكنت ورفيق لي هو خاله أيضا.. نزوره مسلمين.. وما والله كان القصد السلام عليه في حقيقة الأمر.. وإنما ليعطي لنا مما أفاض الله عليه.. قرشا أو قرشين.. وهلله أو هللتين... وهما ما هما قوة شراء في تلك الأيام.. فنخرج من عنده إلى الأسواق الحافلة.. وكأنما الواحد منا من المليونيرات.. أو المليونورون – لا نيرون-! – قناعة ورضا ورخاء ورخصاً.. وشبعاً ورياً..

وكنا نرى في صعودنا إليه ونزولنا من عنده –ماكينة الطبع- تدور مدوية في الأرجاء المجاورة.. ونقف عندها مندهشين.. إذ نقابل بين ما نحن عليه في الكتاب من استعمال (القلم البوص).. والدواة الصفر.. والحبر والزية.. والمضر.. وغسل الألواح التي نكتب عليها به.. وما يأخذ ذلك كله من الوقت والتشميس!! وكيف أن هذه الآلة تخرج أكثر من ألف نسخة، ممتازة في أقل من ساعة واحدة!!

جريدتا الحجاز وشمس الحقيقة

وهنا يستطيع القارئ الكريم أن يستلم مفتاح الكلمة.. أو هذه المقالة وندخل معه في الغرض المقصود.. والهدف المنشود..

نعم هناك – رأيت ولأول مرة – وبفهم وإدراك.. قابل للنمو.. جريدة تسمى "حجاز" في صفحتين تارة.. وأربع صفحات تارة أخرى وهي جريدة رسمية حكومية تركية.. تختصر على الأنباء الرسمية.. في كثير من الإيجاز والاحتراز.. وما كان لها أي تدخل في شئون البلاد.. إلا ما يوحى به إليها (الوالي أو المكتوبجي)!! فقط. ولحق بها أيضا جريدة أخرى تركية إلحادية تسمى "شمس الحقيقة".. وزالتا بزوال العهد التركي..

وتقدم الزمن... وصدرت بجدة أيضا جريدة أخرى قبل الثلاثين أو بعده.. وعلم ذلك عند العلامة الجليل بقية السلف الصالح) الشيخ محمد حسين نصيف أطال الله بقاءه.. وأحسب أنها كانت تسمى "الإصلاح" ولعلي رأيتها أو قرأتها آنئذ دون وعي أو إدراك.. ثم لحقت بسابقتيها قبيل الثورة العربية الكبرى عام 1334ﻫ.. كما صدرت أبان الحرب العظمى الأولى بالمدينة المنورة جريدة مؤقتة للدعاية العثمانية أو التركية.. وانقرضت كأخواتها..

وكانت الثورة.. وأصدر الملك حسين بن علي رحمه الله.. جريدة "القبلة" بمكة ثم صدرت جريدة (الفلاح).. ثم (المجلة الزراعية) بمكة أيضا.. ثم "بريد الحجاز" بجدة وقد طويت كلها بانقضاء العصر التي صدرت فيه.. ومن الخير والأنصاف.. عدم التوسع فيما كانت تجول فيه أو تصول.. بعضاً أو كلاً.. صرفاً أو عدلاً... فقد أصبحت في ذمة التاريخ.. ولها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.

جريدة أم القرى

وفي مستهل العهد السعودي صدرت جريدة "أم القرى".. بنفس المكان والمطبعة التي كانت تصدر به ومنها – جريدة القبلة المرحومة - !! ثم تلاها مجلة "الإصلاح" بمكة.. ثم جريدة "صوت الحجاز" وبمكة ثم "مجلة المنهل الغراء" بالمدينة المنورة... تلك المجلة الجديرة بالإكبار والتكريم... بما قامت به ويسرته ونشرته من بحوث علمية وأدبية.. لا عهد للبلاد بها قبلها مطلقاً عدى ما لصاحبها من ملاحق لها ذات بال.. وما له من مؤلفات مطبوعة ومخطوطة.. في شتى العلوم والفنون – وخاصة في التاريخ، والقصص والآثار زاد الله بسطه في الغنم والجسم.

ثم أخذ الشريط... يتوالى.. فانطلقت الصحف والمجلات من عقالها أو على وجه الدقة.. أتاحت الظروف والتطورات المتلاحقة خلال الأربعين سنة الماضية حتى الآن.. وهيأت للصدور عدداً كبيراً منها.

البلاد السعودية

وكان من أظهرها وأكبرها وأوفرها حظاً وأغلاها كعباً، وأوسعها شهرة.. جريدة "البلاد السعودية"... وقد تعاقب على رئاسة تحريرها الكثيرون... إلا أنها لم تقف على أقدامها وتؤتي أكلها ضعفين بإذن الله إلا بعد أن تولى رئاسة تحريرها سعادة أمين العاصمة.. الأستاذ عبد الله عريف.. فقد نعم الله لها به شخصيتها وتطورها وبروزها وتميزها.. ثم أراد الله جل وعلا – بأم القرى – أو – بمكة المكرمة – أو – بعاصمة الإسلام الكبرى – ومهوى أفئدة العرب والمسلمين. كل خير وفلاح عندما اختاره ولاة الأمور... ليعمل بما قال.. وإن قل ما يقوله عما عمل ويعمل.. أعانه الله ووفقه لكل خير وصلاح وإصلاح.

ثم الندوة

وصدرت بمكة جريدة "الندوة" بعد حراء.. وكانت تتميز باتجاهها الديني والأخلاقي.. والعلمي... ويقوم على أمرها الإخوان التقيان سعادة الأستاذ صالح محمد جمال رئيس المجلس البلدي الآن. وسعادة الأستاذ الأمين المؤمن أحمد محمد جمال عضو مجلس الشورى حالياً.. ومن حقهما على كل مواطن أن يقدر ما قدماه حتى الآن من مساهمة في حقل التثقيف والتنوير والتوجيه والترفيه.. وأنهما والحق يجب أن يقال لخير من يقتدى به في الباقيات الصالحات والبراهين الدامغات.. والحفاظ والتحفظ على دين الله وسنة نبيه -صلوات الله وسلامه عليه- والدعوة إلى الأخلاق الفاضلة ما استطاعا إلى ذلك سبيلاً..

وصدرت بمكة أيضا (جريدة أو مجلة قريش)... وكان صاحب تأسيسها ورئيس تحريرها فضيلة الأستاذ الكبير (أبونا).. العجوز.. سنا... القوي الشاب نشاطاً وطموحاً.. وقوة.. وعزماً وحزماً.. الأديب للنفس.. والمؤرخ.. المحقق "مؤرخ مكة" في القرن الرابع عشر.. وصاحب البراع "النفاث".. العم الشيخ أحمد سباعي بارك الله في (شيبته)... وأطالها.. وحفظه (للصحافة) أبا كريماً... ومرشداً حكيماً!!

ثم صدرت "البلاد السعودية" بجدة بعد أن كانت تحرر وتطبع وتصدر في مكة المكرمة.. وكانت بواعث الانتقال فيما أظن (مادية أو طبعية أو مطبعية) وتحول اسمها أو استبدل بـ "البلاد" فقط...

وصدرت بالعارض.. أو نجد.. في "المنطقة الوسطى" من المملكة أي في عاصمة الدراسة الكبرى جرائد وصحف ومجلات عدة من أهمها وأعظمها جريدة "اليمامة" وناهيك بمؤسسها أو رئيس تحريرها العلامة الشيخ حمد الجاسر سعة أفق.. وسمو مكانة ورفعة قدر.. وقوة نضوج.. وأصالة علم وأدب وبيان. ومجلة "الجزيرة" ذات التفوق والأناقة والأدب العالي الرفيع.. والسمات المشرقة الساحرة.. كما صدر غيرها في (القصيم) و (الظهران) في المنطقة الشرقية.. وكلها دون استثناء كانت تمثل الروح الوطنية.. وتتجاوب مع قرائها في جميع مدن المملكة.. وباديتها.. وحاضرتها.. في الدقيق والجليل من أمورها ومرافقها وآمالها وآلامها... وطموحها وتقدمها.. وعزمها على الانطلاق السليم من كل انحراف وفي حدود ما يرضى به الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.. مع مجاراة للتيارات الحديثة النافعة الصالحة.. دون غيرها من الطفرات الممقوتة الطائشة.. التي ما تلبث أن تهرب وتولي الأدبار – ركضاً – وعدواً – وراء الحدود... فما ثم هنا إلا الخير والرشاد، والاعتصام بحبل الله المتين.. وكتابه المبين و "إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده الصالحين"...

هذا، وما أحسبني مضطرا أن لا أمل القارئ بالتطويل... وفي يقيني أن إبقاء هذا الموضوع حقه من الدراسة والمقارنة لاسيما إذا استدعى ذلك تراجم رجالها الكبار ومحرريها.. وكل من يعمل بها أو عمل قديماً – وحديثاً.. مع الإحصاء الدقيق والمقابلة والتطبيق كل ذلك لا يملك استيعابه كلمة أو مقالة.. وإنما هو حرى بأن يفرد في مؤلف كبير الحجم.. يقوم بتأليفه أحد أفذاذنا المحيطين به إحاطة تامة مدعماً بالرسوم والصور.. والنماذج.. وهو بلا شك إحدى وسائل (التثقيف) العام.. وما أحسبه إلا بين أيدي القرامان شاء الله – خلال هذا العام!! ومعذرة من جميع من لم يشملهم هذا الإيراد.. وكلهم بحمد الله علم في رأسه (نور) !!

وأخيراً – لا آخراً – كان تبديل اسم جريدة "البلاد السعودية" بجريدة "البلاد".. وما برحت هي وشقيقاتها في عهد المؤسسات الجديد.. وبتوجيه وإرشاد حضرة صاحب السمو الملكي نائب جلالة الملك الأمير فيصل المحبوب حفظه الله... تطلع على القراء.. في مستوى تغبط عليه.. إن لم تحسد؟! وما أرى يوماً ولا أسبوعاً ولا شهراً يمر بكل منها مجلة، أو جريدة، يومية أو أسبوعية أو شهرية.. إلا ولها من أدلة التطور والتقدم وفي نطاق الأدب الخلقي والتقاليد العربية والإسلامية، ما يملأ عيوننا قرة بها واعتزازاً وازدهار بإنتاجها القيم الثمين.. وما نطمئن به إلى أن النهضة التي تحدث من كل شبر من هذه البلاد – وفي جميع المناطق.. وفي كافة المجالات. يواكبها جهاز قوي بإيمانه.. ماض على طريقه وإلى هدفه القويم السليم..

أضغاث أحلام

وإن أعجب فعجب أمر من لا يرى من الكأس وقد ملئت إلى نصفها إلا نصفها الفارغ!!! وكان أولى به لو أنصف أن يستكثر – ما يرى لأن كأسه كانت خاوية على عروشها.. فارغة.. بالكلية.... وأقسم غير حانث.. وقد عاصرت الناس ومارست الحياة أكثر من نصف قرن.. إنني لأكاد أظن أن ما أراه من هذه المجلات وهذه (الصحف المطهرة) إن شاء الله... على اختلاف أنواعها وأشكالها وبحورها وأنهارها.. إنما هو "أضغاث أحلام"!! لجهارته وأضوائه.. وقصر المدة التي برز فيها.. وما حملني على هذا مجرد ما يسميه الحكماء أو الفلاسفة.. أو الأخلاقيون (مجاملة)... أو (مسايرة) أو (مدهنة).. أو.. غير ذلك مما أبرأ منه إن شاء الله.. وأجل عنه صحافتنا المتقدمة.. الهادفة.. البناءة.. وأحسبها أغنى ما تكون عن الإطراء.. والبهرج الكاذب.. وهي بسبيلها الطويل في مواكبة التطور الشعبي والعربي والعالمي.. وفي عصر الذرة.؟. والفضاء.. فما بقى للترهات.. ولا الشعوذات.. ولا (الزحلقات)!! محل لكاتب ولا قارئ لما يكتب ومن يكتب ما هو من هذا القبيل.

وتملؤني الثقة وعظيم الاستئناس بأن يشمل هذا التطور الصحفي العتيد محيط المنطقة الجنوبية الناهضة سهلاً وجبلاً وخاصة عروس السراة (أبها) و (جازان) ذلك لأنهما لا يفوتهما القطار ويلحقا بالركب السائر ففيهما ولله الحمد والمنة عباقرة من الشيوخ والشباب بارزون ومنهم العلماء والشعراء والكتاب والمؤرخون ولهم إنتاج طيب مخطوط ومطبوع وفي وسعهم إقامة مؤسسة للطباعة والنشر وإصدار صحيفة أو اثنتين ولو أسبوعية ومجلة شهرية حيث تكتمل بذلك الحلقة ويزدان العقد وتتلاقى الآراء والأفكار وتتجاوب العقول والقلوب ويمتزج الأدب السعودي ويتفاعل في كافة الجوانب وأعتقد أنهم لا يدخرون وسعاً في تحقيق هذه الأمنية وهم في سبيل ذلك عاجلاً غير آجل وما ذلك على الله بعزيز.

حقا – إن صحفنا اليوم ومجلاتنا – لتفرض علينا احترامها وتقديرها وإن كنا ما نزال نرجو منها المزيد.. من الكفاح – والتضحية في سبيل التقويم والتقدم والازدهار.. ونربأ بها كثيراً عن كل ما لا يوائم بيئتنا ومحيطنا المقدس.. وذلك في كل حرف وكلمة... وفي كل نهر وصفحة... كما نتمنى.. – وما كل ما يتمنى المرء يدركه – أن تعني جداً.. وبدقة تامة.. بأمر التصحيح.. فإن الكاتب لا يملك أن يكون (ملحقاً طياراً) وراء الصحيفة إذا ما علقت بمقاله أو قصيدته الأخطاء (المطبعية).. فهو في حرج من ترك الحبل على الغارب "ومن تشويه سمعته" وضياع تعبه.. فيما كتب.. – حتى مع التصويب الذي لا يصل إلى القارئ.. إلا بعد أن قلت الأوان.. وتناوله النقد من كل مكان!!

إن أمر التصحيح.. في رأيي.. أهم من كل ما عداه.. ولا تتميز جريدة عن الأخرى.. ولا مجلة عن أختها.. في الداخل والخارج.. أول ما يحسب له الرصيد.. أو تناقش الحساب من أهله.. والمعنيين به إلا بسلامتها ولو نسبياً من هذه الأخطاء الفادحة أحيانا.. ولا ينبؤك مثل خبير..

وإلى الأمام.. أيها العاملون المجدون، والله ولي المحسنين.

مكة المكرمة (النزهة) في 9-5- 1384ﻫ

أحمد بن إبراهيم الغزاوي

معلومات أضافية

  • العــدد: 6
  • الزاوية: غير معروف
  • تاريخ النشر: 12/5/1384ﻫ
  • الصحيفة: المدينة

اترك التعليق

الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.

المقالات حسب تصنيفات المواضيع

لتحميل المقدمة و العناوين هنا