فذكر إنما أنت مذكر
كل يوم جمعة تقريبا نستمع إلى قراءة الإمام وهو يقرأ في الركعة الثانية سورة الغاشية ويردد على مسامعنا هذه الآية الكريمة، فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر، فلا نحاول أن نتدبر ما وراء هذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات التي حفل بها القرآن الكريم من تربية المسلم على السماحة وخفض الجناح للمؤمنين ولين القول معهم.
أجل لا نحاول ذلك وخاصة من تصدى منا للدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلن نحقق أهدافنا من هذه الدعوة بل ننفر الآخرين وترجع بخفي حنين فلا نعتبر.
لقد استوقفتني هذه الآية الكريمة يوم الجمعة الماضية وكأنني لم أسمعها من قبل.. استوقفتني إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر. وتذكرت خطيبا في الجمعة الماضية يشتم باسم الدعوة إلى الله والنصح بألفاظ أقل ما توصف به أنها فظة غليظة تثير السخط في أذن السامع بدلا من أن تنفذ إلى قلبه وعقله، تستنفر عناده وإصراره بدلا من أن تهديه وتدفعه إلى التوبة والاستغفار.
وما أن انتهيت من الصلاة حتى تداعت على خاطري الكثير من الآيات القرآنية التي عالجت هذه المأساة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ونحن نرددها دائما بدون تدبر ولا تفهم لمراميها وأهدافها.
وأول ما تداعت إلى خاطري الآية (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
إنها درس بليغ في التربية الإسلامية أراد القرآن وهو مربينا على الإسلام وأخلاق الإسلام أن يلقيه علينا قبل أن تخوض معركة نشر القرآن والدعوة إليه.. ولا كالدروس النظرية ولكن درسا عمليا تطبيقيا من خلق الرسول الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام... درسا يحذرنا من الفظاظة والغلظة لأنها تؤدي إلى الفرقة والانفضاض والانصراف عنك وعن دعوتك بل عن كل ما تقول لعجزك عن ملامسة القلوب بالحكمة والموعظة الحسنة... وراحت الآيات تتري على الذهن: (ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين).
(اذهبا إلى فرعون إنه طغى – نعم فرعون الذي طغى وقال أنا ربكم الأعلى – فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى).
وهذا درس آخر في التربية الإسلامية يوضح لنا أثر القول اللين في الدعوة إلى الله وتأثيره على النفوس المتمردة وهل عرفت الإنسانية أشد تمردا من فرعون الذي لم يكتف بادعاء الألوهية بل قال: يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا، والذي بلغ غروره وصلفه أن يقول لقومه: لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.
هذا هو هدي القرآن: ( فبما رحمه من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، (فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر)، (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)... إلخ.
أما هدي نبي القرآن الذي قالت عنه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن خلقه القرآن وقال عنه الله جل جلاله وإنك لعلى خلق عظيم، وبالمؤمنين رؤوف رحيم فإنه عليه الصلاة والسلام عندما قال له جبريل عليه السلام بعد أن وصل أذى قريش له الذروة: لو شئت يا محمد أن أطبق الأخشبين – وهما جبلان – على قريش لإهلاكهم لفعلت فكان جوابه لا: اللهم اغفر لقومي إنهم لا يعملون، لأنه لم ييأس أن يخرج منهم أو من أصلابهم من يعبد الله.
أي رحمة هذه بالأعداء الألداء؟ وأي إنسانية تلك مع من فقدوا الإنسانية وكلنا يعرف ماذا فعلت قريش بالرسول وأصحابه. إن أمثال هؤلاء الوعاظ أشد ضررا على الإسلام من أعدائه بما يبثونه من فرقة بين المسلمين وما يخلقونه من نفور في نفوسهم من تعاليم الإسلام، وما يحدثونه من أحقاد وأضغان بالإضافة إلى إعطاء صورة مشوهة عن أخلاق الإسلام وآدابه... الإسلام دين السماحة واليسر... دين المحبة والإخاء... دين الرأفة والرحمة.
وبعد أفلا يتدبرون القرآن؟! أم على قلوب أقفالها؟!
معلومات أضافية
- العــدد: 62
- الزاوية: كل اسبوع
- تاريخ النشر:
- الصحيفة: عكاظ
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.