لا أخالني مغالياً إذا قلت: أن الصوم مدرسة؛ مدرسة بكامل معداتها تشبه في تكوينها مدارس التعليم بالمراسلات وأن كانت مدرسة الصوم تمتاز بأنها تعلم في شهر واحد ما تضيق عن تعليمه تلك المدارس في سنوات. فالصوم يعلم الصبر حتى لقد سمى الرسول – صلى الله عليه وسلم – شهر رمضان شهر الصبر؛ والصبر من أعظم الفضائل الإنسانية، من أوتيه أوتى خيراً كثيراً فتدريب النفس على الامتناع عما تحب، والكف عن شهواتها ثلاثين يوماً في كل عام كفيل بإعدادها لاحتمال أحداث الحياة الأخرى طوال العام ومقاومة النوازع النفسية الخبيثة والحد من نزوات النفس الطائشة. والصوم يعلم الإنسان - أو يروضه - على قوة الإرادة، فالإنسان الذي يروض نفسه على ترك الأكل والشرب؛ واعتزال المحرمات صغيرها وكبيرها وتنفيذ تعاليم الصوم بدقة مدى ثلاثين يوماً باختياره هذا الإنسان تصبح له إرادة حديدية حتى ولو كان قبل ذلك مصابً بضعف العزيمة وخور الإرادة. والصوم يعلم الإنسان الحلم فالصائم الذي يسمع بأذنه كلمة السباب ثم يجعلها دبر أذنه ويقابل شاتمه أو مقاتله؛ بتلك الكلمة الهادئة: إني صائم ويتعود على ذلك شهراً كاملاً، هذا الإنسان سوف يصبح بلا شك من الحلماء. والصوم يعلم الإنسان الإخلاص، فالصيام – دون العبادات- عبادة سريه لا يؤديها الصائم إلا مخلصاً محتسباً وجه الله؛ فهي أذن تعلم الصائم كيف يكون العمل خالصاً لوجه الله والإخلاص هو أساس النجاح في كل شيء. والصوم يعلم الصائم الرحمة والعطف؛ فالإنسان عندما يشعر بمرارة الجوع وحرارة العطش الاختياريين يدرك مدى ألم الجياع والظمأي الذين لا يجدون ما ينفقون فيدفعه ذلك إلى الخير فيشملهم بعطفه ويقدم لهم ما أستطاع من رفده. علمك الله يا عزيزي الصائم ما ينفعك ونفعك بما علمك وهدانا الله سواء السبيل.