القائمة الرئيسية
بـحـــث
المتواجـــــدون الآن
يوجد حاليا 152 زوار المتواجدين الآن بالموقع
الأحد, 07 أغسطس 2011 12:41

في ذكرى المولد النبوي- الصداقة في حياة الرسول

قييم هذا الموضوع
(0 تقيم)

مهداة إلى الكثيرين من رجال هذا العصر

 لقد سن علماء الاجتماع - لاسيما المحدثين منهم - تعاليم وقوانين يستطيع الإنسان أن يكسب بها أكبر عدد ممكن من الأصدقاء. ولو أمعن الباحث النظر في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسلوكه مع أصدقائه ورفاقه، ذلك الرسول الذي ظفر بنخبة من الصداقات لم تتح لسواه؛ نقول لو أمعن الباحث النظر وأتخذ من ذلك السلوك دستوراً يسير عليه وأدباً يتأدب به، لأستغنى عن كثير من تعاليم المحدثين ودساتيرهم. لقد أجمع علماء الاجتماع على أن من أهم وسائل كسب الأصدقاء والتأثير في الناس والاستئثار بحبهم، «مراعاة الشعور» ولو بحثنا عن هذه الصفة في الرسول لوجدناها من أبرز صفاته فلنر ماذا تقول كتب السيرة في هذا المضمار. «كان إذا لقيه أحد من أصحابه، لم ينصرف عنه، وكان إذا صافح إنساناً لم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده، ويتحدث معه من شاء فلا يقطع حديثه، وكان يحفظ مغيب الصديق كما يحفظ محضره، وكان يقول لأصحابه: من أطلع في كتاب أخيه بغير أمره فكأنما أطلع في النار. هذه مظاهر بسيطة من مظاهر مراعاة الشعور استدللنا بها لتكون أبلغ في الدلالة على حرصه - صلى الله عليه وسلم – على مراعاة شعور أصدقائه فيما هو أعظم وأجل. أما المادة الثانية في دستور الصداقة عند الرسول فهى الصفح والإغضاء والعفو وليس أدل على اجتماع كل هذه الفضائل من قصة الرجل الذي هم بقتله - عليه السلام - وهو نائم فعفا عنه ومعاملته لعبد الله بن أبى بن سلول رأس المنافقين تلك المعاملة التي كانت تثير الدهشة عن أصحابه على الرغم من تكرار غدره وكيده. وأبلغ شاهد على سعة عفوه وحلمه، موقفه من قريش يوم فتح مكة، وقد كان المظنون به أن ينكل بهم شر تنكيل جزاء ما اقترفوه من إيذائه وإخراجه وما ارتكبوه في حق أصحابه من تعذيب وتشريد، فلم يزد على أن قال مخاطباً قريش: ماذا ترون أنى فاعل بكم؟! قالوا: أخ كريم وأبن أخ كريم!! قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء!! أما أعمق مواد هذا الدستور الصداقي أثراً في النفوس فهو ذلك العطف الذي كان محمد - عليه السلام - يغدقه على كل من عرف ورافق، ذلك العطف الفضفاض الذي شمل الصغير والكبير، والعظيم والحقير والقريب والبعيد والإنسان والحيوان بل الجماد.. إذ ثبت من سيرته - صلى الله عليه وسلم - أنه ما نهر خادماً قط ولا ضرب أحداً. قال خادمه أنس: خدمت النبي عشر سنوات فما قال لي: أُف قط وقد أرسلني مرة في حاجة فانحرفت إلى صبيان يلعبون في السوق؛ وإذا به قد قبض ثيابي من ورائي وقال - وهو يضحك - يا أنس اذهب حيث أمرتك!! أما في مجال الحيوان فلتقرأ وصيته عليه السلام: )إذا ركبتم هذه الدواب فأعطوها حظها من المنازل ولا تكونوا عليها شياطين، إن الله غفر لامرأة مومس مرت بكلب يلهث، قد كاد يقتله الظمأ، فنزعت خفها، وأوثقته بخمارها، ونزعت له من الماء فغفر لها. إن الله رفيق، يحب الرفق. من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا). هذا العطف، هو الذي ملأ قلوب أصحاب محمد حباً لمحمد فزيد بن حارثة خطف من أهلة وهو صغير، ثم قدر لأبيه أن يلقاه مملوكاً لمحمد قبل البعثة وقد بلغ منه الشوق مبلغه، فيخير الرسول- ولم يكن حينئذ رسولاً ولا نبياً- زيداً بين البقاء أو الرجوع لأهله بخيره بين الرق معه والحرية مع والديه!! فيطغى حبه للرسول على حبه لأبويه ويختار البقاء مع الرسول؟! وهذا ثوبان مولى الرسول يذبل وينهكه الضعف ويستولى عليه الحزن – ليل نهار – وعندما يسأله السيد العطوف عن علته يقول إنى إذا لم أرك أشتقت إليك وأستوحشت وحشة عظيمة، فذكرت الآخرة حيث لا أراك هناك إن دخلت الجنة، فأنت تكون في درجات النبيين فلا أراك فينزل القرآن الكريم مبشر لأمثال ثوبان «ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً». وهذا زيد بن الدثنه وقد نصبت له المشنقة، يسأله أبو سفيان مستهزئا: يا زيد أنشدك الله أتحب أن محمداً الآن عندنا في مكانك نضرب عنقه وأنت في أهلك؟! فيجيبه زيد: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس بين أهلى!! أما رابعة الدعائم- التي يؤسس عليها بنيان الصداقة الحقة فهو الشعور بالمساواة وعدم التعالي فالإنسان الذي يشعر بالامتياز على أصدقائه، أو يحاول منهم أن يميزوه؛ يعتبر فاشلاً في ميدان الصداقات والدارس لحياة الرسول، بجد أنه كان أكثر الرجال مشاورة للرجال، وكان ينهي عن القيام له فيقول: لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضهم بعضاً، إنما أنا عبد أأكل كما يأكل العبد. وأشرب كما يشرب العبد. ولعل اشتراكه مع أصحابه في حفر الخندق حول المدينة من شواهد شعوره بالمساواة، كما روى أنه كان في سفر وأمر أصحابه بإصلاح شاة فقال أحدهم: على ذبحها. وقال الآخر: على طبخها فقال عليه السلام: وعلى جمع الحطب!! هذه صورة مصغرة من الأخلاق العظيمة التي كان - عليه السلام - يعامل بها الناس فظفر بحبهم وأستأثر بصداقة كل من عرف عرضناها بإيجاز في هذه الذكرى الكريمة لعل فيها عبرة وذكرى لمن ألقى السمع وهو شهيد.

معلومات أضافية

  • العــدد: 1112
  • الزاوية: غير معروف
  • تاريخ النشر:
  • الصحيفة: البلاد
المزيد من مواضيع هذا القسم: « للصائمين فقط العلاقة بين الزوجين »

اترك التعليق

الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.

المقالات حسب تصنيفات المواضيع

لتحميل المقدمة و العناوين هنا