قرار حكيم.. ولفتة كريمة
القرار الحكيم الذي أصدره سمو الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة بعودة الزمازمة إلى مزاولة مهنتهم في سقيا المصلين قرار صادر عن تفهم وإدراك وإحساس بمتاعب المواطنين ومعايشة لمشاكلهم..
ونحن لا ننكر الجهد الكبير الذي تبذله رئاسة الحرمين الشريفين في تأمين الزمزم للشاربين ولكننا نعتقد أنه سيقع نقص كبير في موسم الحج للزحام الشديد وصعوبة الوصول إلى مواقع الترامس لملئها كلما فرغت وخاصة أن القائمين على تتبع ملئها عمال بالأجر والراتب وسيتقاعسون حتماً عن متابعة ذلك ولن يستطيعوا ملاحظتها بخلاف الزمازمة الذين يتبرونها مهنة ومسئولية وكسب، وما يقال عن استقلال الزمازمة المرتزقة للسقيا في موسم الحج يمكن محاربته بتوفير الزمزم السبيل الذي تقوم به رئاسة الحرمين مجاناً وتتضافر جهود الرئاسة مع الزمازمة المعلمين لتأمين حاجة المصلين للسقيا وستكون مشكلة لو استمر المنع وعطش الحجاج. وسقاية زمزم للحجاج وظيفة دينية مثل الطوافة ولها نظام وهيئة يمارسها عدد كبير من أهل مكة المكرمة العريقين منذ قرون وهم معينون فيها بموجب مراسيم وأوامر قديمة احترمتها الدولة منذ عهد جلالة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - وهؤلاء الزمازمة مكلفون بسقيا الحجاج في المسجد الحرام يوميا ولم يقصروا في واجبهم قط..
وليست سقاية الحاج العريقة في القدم التي أقرها الرسول - عليه الصلاة والسلام - والخلفاء الراشدون بعده وكل خلفاء المسلمين في أصحابها هي النزع من البئر فقط فالنزع من البئر هو أول مراحل السقيا.. وكانت تبنى الأحواض في كل مكان وينتقل إليها ماء زمزم لسقيا الحجاج حيث كانوا..
وهذه الترامس التي استعملت الآن بدلا عن الدوارق ليست أفضل منها في شئ فهي لا تأخذ حيزاً كبيراً من أرض المسجد الحرام بحجمها وبما توضع عليه وما يوضع تحتها لحفظ ما يسيل من مياهها، وهي ثانياً تقطع صفوف الصلاة ولا يستساغ شربها بدون ثلج بخلاف الدوارق التي كانت تشغل حيزاً صغيراً بين الصفوف لا يقطعها وتبرد من عملية التبخر الجوي وتشرب من غير ثلج حتى أيام الصيف، ونظرة عابرة من سطح المسجد الحرام على صحن المسجد أوقات الصلاة تكشف الحيز الكبير الذي تشغله هذه الترامس وما تحدثه من خلل في صفوف المصلين.
والأهم من كل ذلك هو سرعة نضوب الزمزم منها فقد لاحظنا بأنفسنا عشرات العطاشى يترددون على هذه الترامس ويجلسون القرفصاء ثم لا يجدون فيها شيئا إذ يفرغ أكثرها قبل صلاة العشاء وفي ليالي الجمعة بالذات بسبب كثرة الشاربين وإهمال المكلفين بتفقدها ولأن تموينها كلما فرغت عملية شاقة تحتاج إلى عربة ملأى بالبراميل الصفيح الكبيرة أو بالبراميل البلاستيك ثم حملها واختراق الصفوف للوصول إلى الترامس.
هذا ما يحصل الآن فكيف سيكون الموقف في موسم الحج الذي يزداد فيه الزحام وقد يستحيل السير بعربات التموين هذه داخل المسجد الحرام؟! لذلك نود أن ننبه إلى صعوبة الموقف حينئذ وندعو رئاسة شئون الحرمين إلى المبادرة بتنفيذ أمر سمو أمير منطقة مكة المكرمة المبني على تقرير فضيلة الشيخ سليمان الحميضي الذي كتبه من مشاهداته وملاحظاته النزيهة المخلصة فكانت موضع تنفيذ سمو الأمير واهتمامه.
أما الاستغلال الذي من أجله منع الزمازمة فإنه موجود في كل وسائل العيش.. في الماء.. في الخبز.. في الثلج.. في المشروبات.. في أجور التاكسي.. في المساكن وهي ظاهرة عادية في المواسم وفي كل بلد ولم تكافح بالمنع ولكن بالتنظيم وتوفير الشئ ولو طبقنا هذه القاعدة لانتزعت البلديات صناعة الخبز من الفرانة وأمنت الخبز للمواطنين والحجاج ويقاس على ذلك كل ما يمكن استغلاله من حاجيات الناس..
ومحاولة التغلب على مشكلة منع الزمازمة بالاكثار من الترامس بشراء الآلاف منها لن يحل المشكلة فهي بالإضافة إلى ما تشغله من أرضية المسجد الحرام وما تسببه من تضييق على مصلين فإنها ستظل فارغة بعد لحظات من وضعها وسيستحيل إمدادها بالماء وسط الزحام.
وشكراً جزيلاً لسمو الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة على اهتماماته التي يوليها لمكة المكرمة وأهلها وبعد نظره زاده الله توفيقاً وسداداً.
الخيط الأبيض والخيط الأسود
قرأت فتوى فضيلة الشيخ عبد الله الخليفي الإمام والخطيب بالمسجد الحرام بأنه لا بأس من الشرب مع آذان الفجر حيث أن في الوقت متسع ولأن الله تبارك وتعالى أباح للصائم أن يأكل ويشرب حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود، المنشورة بهذه الصحيفة بتاريخ 17 رمضان 1400هـ وقد سبق لي أن لاحظت هذه الظاهرة حيث يتسابق بعض المصلين بالمسجد الحرام بمجرد سماعهم آذان الفجر إلى اختطاف دوارق الزمزم يشربون منها والمؤذن يؤذن لصلاة الفجر في رمضان وكنت أستنكر ذلك في نفسي ولكني لا أجرأ على الاعتراض خوفاً من أن يكون هناك نص شرعي صريح..
وقد أجاب فضيلة الشيخ الخليفي على سؤال من مندوب الجريدة عن حكم هذه الظاهرة بإيجاز ولم يتوسع في سرد الأدلة والنصوص وإيضاح حجة من قال بذلك من الفقهاء سوى أن في الوقت متسع وأن الله تبارك وتعالى أباح للصائم أن يأكل ويشرب حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
وهنا تحوك في صدري بعض الأسئلة، أليس رفع المؤذن صوته بآذان الفجر وهو إيذانه بطلوعه وبوجوب الإمساك عن الطعام والشراب للصائم وهل يجوز للمؤذن أن يؤذن لأي وقت من أوقات الصلاة قبل حلوله؟!
وهل يجوز لكل صائم أن يأكل ويشرب حتى يتبين له شخصياً الخيط الأبيض من الخيط الأسود على الرغم من اختلاف قوة الإبصار عند الناس أم أن رفع صوت المؤذن للفجر دليل على تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولا مبرر للإجتهاد؟! وهل كان لدى هؤلاء الذين يركضون إلى الماء عند رفع المؤذن صوته بآذان الفجر خيطان أبيض وأسود وبعد أن تأكد من عدم تمييزه بين الأبيض والأسود راح يشرب الماء؟!
ولماذا تشير دائما إمساكيات شهر رمضان والتقاويم إلى تحرير وقت الإمساك احتياط قبل موعد آذان الفجر بدقائق؟! ولماذا لا ينهي الصائم طعامه وشرابه قبل طلوع الفجر المحدد فلكياً بالتقاويم وعملياً بارتفاع صوت المؤذن؟! وهل تنفعه هذه الجرعة التي يؤخرها إلى هذه اللحظة الدقيقة في دفع العطش عنه طوال النهار بأفضل مما لو تناولها قب ذلك بخمس دقائق؟! وإذا كان الشارع حث على الجماعة وضرورة الالتزام بإتباعها فقال يد الله مع الجماعة والصوم يوم يصوم الناس والحج يوم يحج الناس ولم يسمح لكل مسلم ألا يصوم حتى يرى الهلال بنفسه ولا يفطر كذلك ولا يحج وفق رؤيته بل مع جماعة المسلمين فلماذا نبيح نحن للصائم أن يعتمد في الإمساك على رؤيته الفردية ويظل يأكل ويشرب حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود تمسكاً بحرفية النص الذي نعتقد أنه لم يقصد به هذا.
وأخيراً هل هناك نص صريح أو عمل للرسول - عليه الصلاة والسلام - أو الخلفاء الراشدين أو قول لفقهاء المسلمين؟!
هذه هي الأسئلة التي حاكت في صدري وأحب طرحها على فضيلة الشيخ عبد الله الخليفي رجاء تنويرى والقراء ببحث ضاف عن هذه المسألة جزاه الله خيراً وأفاد بعلمه.
معلومات أضافية
- العــدد: 69
- الزاوية: رقيب اليوم
- تاريخ النشر: 9/3/1402ﻫ
- الصحيفة: الندوة
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.