إلى متى هذا الضحك على الذقون؟!
حديثي هذا الأسبوع مسوق إلى بعض تجار البلاد وأصحاب الشركات فيها من المثقفين وغير المثقفين وبعض الشخصيات.. الذين لا أدري كيف استساغوا هذا النوع من الدعاية المكشوفة فقد لاحظت خلال العامين الماضيين أن بعض الصحف والمجلات الأجنبية المغمورة في بلادها والتي لم تجد هناك رواجا وانتشارا كغيرها وعجز أصحابها عن السير بها في ركاب الصحافة الحقة، عمدت إلى هذا الأسلوب الرخيص في سبيل الحصول على المال لتضمن لنفسها البقاء وآثرت أن تسير بين زميلاتها هذا السير الأعرج على الاختفاء الذي هو في رأيي أشرف لها وأكرم.
أفلست هذه الصحف والمجلات من القراء والكتاب معاً فلم تجد من الكتاب من يرضى أن يملأ صفحاتها الخاوية ولا من القراء من يدفع فيها أبخس الأثمان فلجأت إلى هذه الطريقة الجديدة التي تستعيض بها عن القراء والكتاب في وقت واحد..
هذه الطريقة هي إرسال مندوبين لها خلال موسم الحج يطوفون بالتجار وأصحاب الأعمال والشركات يتأبطون ما خيل إليهم أنه خير إعداد الصحف والمجلات التي يمثلونها ويزينون أعناقهم بآلات التصوير، زاعمين أن تلك المجلات والصحف هي أعظم الصحف انتشارا في العالم العربي موهمين من يتحدثون معه أن صورة له أو كلمة عنه تنشران له بواسطتهم كفيلتان بأن تجعله من كبار رجال الأعمال في العالم وسيطبق صيته الآفاق.
ولئن عذرت بعض السذج من الناس وغير المتعلمين فإنني لا أجد عذراً للمثقفين في قبول هذا النوع "من الضحك على الذقون" هذا النوع المكشوف من الاستغفال لأن المدح إذا تجاوز حدوده أصبح ذماً، والثناء على الإنسان بغير ما فيه يكاد يكون سبة.
ومن الطريف أننا نجد كل من تكتب عنهم هذه الصحف والمجلات – بالثمن – عصاميين !! وتجار ناجحين؟! وأصحاب شخصيات عظيمة!! وكلمات مسموعة!! ولا ينشد إلا راحة الجمهور!! ويحقق كل شكوى بنفسه!! ومن أشهر المحلات التجارية!! ويتوقد ذكاء وطموحاً!! ومثالاً حياً يحتذى والشركة التي أصبحت الأولى من نوعها في هذه البلاد!! والمجاهد الكبير!! ولو اقتدى به شباب الجزيرة لكان الجميع في سمت رفيع من الشمائل والسمعة الحميدة، وشرف التجارة!! والأمانة.
والحرص على المصلحة العامة؟! ومن خيرة رجال الصناعات!! إلخ هذه الأوصاف التي يلقيها هؤلاء المرتزقة من الصحفيين جزافاً وكأن أهل مكة ليسوا أدرى بشعابها فيريد صحفي أجنبي يزور البلاد أياماً معدودات يستطيع أن يتحدث بعدها عن شخصيات البلاد حديثا صحيحاً ولا يتورع أن يسمى الفرد غزالاً، والأسود أبيض، والهر أسداً، والذئب حملاً طالما أن له مصلحة في ذلك!!
والذي دفعني إلى كتابة هذا هو أن تاجراً معروفاً لم يحل لي ذكر اسمه قصدني يقص علىّ حادثاً وقع له ذهب فيه – أو ذهبت نقوده على الأصح – ضحية هذه الشباك فقال:
لقد كنت في مكتبي أراجع حساباتي وأدقق أوراقي ففوجئت بصحفي أجنبي قال أن اسمه (...) وأنه مندوب مجلة (...) وأنه قد أخذ من كل تاجر 200 ريال عربي وسيأخذ مني 100 ريال فقط ووعدني أن هذه المجلة ستكتب عني حديثاً يعود علىّ بالخير العميم وسأصبح من مشاهير التجار في العالم العربي ثم قفز قفزة بهلوانية وسلط علىّ آلة أخرجها من عنقه وفي أقل من دقيقة قال أنه أخذ لي صورة رائعة وأنا منهمك في إدارة أعمالي وسيراها القراء في العالم العربي جميعه وسوف يشار إلى لا بالبنان فحسب ولكن بالخمسة الأصابع!! فلم أشعر تحت تأثير هذا البيان الساحر إلا ويدي تدير مفتاح الصندوق وأخرج منه المائة الريال وأسلمها له فيخطفها ويخرج شاكراً ولم أفق من حالتي إلا بعد خروجه فأسائل نفسي كيف سمحت بهذا المبلغ في سبيل كهذا؟! وأتساءل لماذا لم أتخلص منه كما كنت أتخلص من كل ذي حاجة من بني وطني يستنجد بي في كربة من كرب الحياة؟!
قلت: لا عليك يا عزيزي فلست أول الضحايا ولا آخرها ما دام هؤلاء الصحفيون وجدوا في بلادنا مرتعاً خصباً وعقولاً فجة تنطلي عليها مثل هذه النزهات؛ ولتكن لك في هذا الحادث عظة ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين!!
قال التاجر: إني أريد أن أعلن عن هذا ليتعظ غيري ولا يقع فيما وقعت فيه قلت: أنا أكفيك هذا الإعلان.
فيا هؤلاء إن كل من قرأ ما كتبه هؤلاء الصحفيون المرتزقة مما يخالف المعروف لم يسعه إلا أن يخرج لسانه فوفروا نقودكم والجأوا إلى الإعلانات بالطرق المألوفة ودعوا أعمالكم تتحدث عنكم ولا تتركوا مجالا لهؤلاء الغرباء المرتزقة أن يضحكوا منكم أو يضحكوا الناس عليكم ثم يعودون إلى بلادهم ليتحدثوا عن ترفنا وغفلتنا.
إنها نصيحة أسوقها لمن وقع في الشراك لئلا يقع فيه مرة أخرى وإنذاراً لمن لم يقع لعله يتعظ والسعيد من اتعظ بغيره كما يقولون..
معلومات أضافية
- العــدد: 31
- الزاوية: غير معروف
- تاريخ النشر:
- الصحيفة: البلاد
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.